الفكرة جَوْهَرُ الكَيْنُونات والمَوْجُودات الكَوْنِيَّة من أَصْغَرِها لِأَكْبَرِها، فَمَا في الوجود يُولَدُ كَفِكْرَة يتَحَقَّق التعبير عنها بآلِيَّات مُتوَافِقَة مع قدرات مَنْ امْتَلَكَها أو تمَكَّنَت منه وسَخَّرَتْهُ لِغَايَاتِها والتعبير عن رسالتها.
وفي عالمنا الفَرْدِي والجَمْعِي، الفكرة تَحْكُمُنا وتستخدمنا وتُؤَهِّلُنا للوصول إلى غاياتها وإنجاز أهدافها. وأَكْثَرُنا يَعْجَزُ عن استيعاب الفكرة، ويفشل في وَعْيِ جَوْهَرِها ومَرَامِيهَا، فتَكُون سلوكياته انْعَكَاسِيَّة اعْتِباطِيَّة وعشوائية تتَسَبَّب بتَدَاعِيَات تَقْتُل الفكرة التي فيه. والبعض يرى أنَّ الواقع الذي نَعِيشُه مِرْآةُ أفكارنا، والصُّورَة الحَيَّة للكامِنِ فِينَا. وفي الحالتين يكون للأفكار دَوْرُها في رَسْمِ خارِطَة سُلوكنا وِفْقًا لآليات تفاعُلِنا معها، ومُحاوَلَاتُنا لإِدْرَاكِ مَرَامِيها.
ولِكُلِّ فكرة أَوْجُه مُتَنَوِّعَة، والطَّبْعُ البَشَرِيُّ مَيَّال للوَجْهِ السَّيِّئ منها، فيَنْدَفِعُ نَحْوَها بطَاقات فَوَّارَة، ويُهْمِلُ الوَجْهَ الآخر الجميل الثَّرِيّ بمُفْرَدَات الفضيلة.
وفي واقعنا المَحْمُوم بالسَّيِّئات والمَطْحُون بالفساد، تكون الأفكار الفاعلة في الحياة مُناهِضَة للصَّيْرُورَات الإيجابية، ومُتَرْجِمَة لإرادة الشَّرّ والرَّذِيلَة والاعتداء على المُثُلِ والقِيَم السَّامِيَة. فوَاقِعُنا مُبتَلى بِنَا وما نَحْمِلُه من أفكار نُعَبِّرُ عنها بِمَا نقوم به من أفعال ونُطلِقُه من أقوال. والكَرَاسي القابضة على مَصِيرِ الناس مَنْبَعُ الأفكار المُضَلِّلَة الدَّاعِيَة لِتَعْطِيل العقول والخُنُوع والتَّبَعِيَّة وفقدان الثقة بالنفس، والإيمان بالعجز والدُّونِيَّة، واسْتِلْطَاف حياة القَطِيع، وعدم تحمل المسؤولية.
وَوِفْقًا لَتَواصُل ما فينا مَعَ واقِعِنا تَبْدُو لَوْحَةُ الحياة وتتحَرَّكُ عناصرها بالاتِّجاهات التي تُحَتِّمُها إرادة الفكرة ومُنطَلَقاتُها التي أَوْجَدَت مَنْ يَحْمِلُها وينطَلِقُ بها إلى حيث يريد لأنَّهُ قَد اكتشف ما يُسَوِّغُ ما يقوم به ويفعله في واقعه بَعْدَ أنْ طَوَّع الفكرة لِتَكُون الطاقة اللازمة لتأكيد نَوازِعِه وتَطَلُّعاتِه المَطْمُورَة في دَياجِير أَمَّارة السوء التي فيه.
فهل لَنَا أن نُعيدَ النَّظَر بأفكارنا، ونُطَوِّعَها للفضيلة والخير ورَوْعَةِ الحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
الحزب الصيني وأحزابُنا / الشباب والحركة العلمية / أحزاب بِلا دين!