في الطبيعة العديد من الكائنات مُتعايِشَة وتتبادل المَنْفَعَة، فلا تتقاتل أو تتنافس، بل تتنافَع وتُساهِم بإِدَامَةِ بقائها بتَعْزِيز بقاء الكائنات الأخرى التي تَرَاهَا ضرورية لِحَيَاتِها. وقد تكون وحيدة الخلية او مُتعَدِّدَة الخلايا، ومن فصيلة الحشرات والحيوانات، ولكنها أدركت أهمية وجود الآخر لحياتها، واسْتَخْلَصَت منه ما يُؤَهِّلُها للبقاء الأَسْلَم.
وفي عالم البشر الكثير من أسباب التَّعَايُش والتآخِي والوِئَام، لكنَّهُ يَنْسِفُها ويستثمر بالعدوان والكراهية والبغضاء وتَأْزِيم العلاقات. وبسبب التفاعل السلبي تَشْتَعِل الحروب وتتأَجَّجُ الصِّرَاعات ويَعُمُّ الخراب والدمار، وتجتهد العقول بابتكار أَفْظَع الأسلحة وأدوات القَتْلِ المُرَوِّعَة. وبمُوجَبِ العَدَاءِ المُتَّقِد في الأعماق على مَر العصور تَجِدُنا في حروب مُتعَاظِمَة وسَفْكِ دِمَاءٍ لا يتَوَقَّف.
وعندما نتساءل: لماذا لا يُساوِي البشر في سلوكه الكائنات الأخرى الأَقَلَّ منه في سُلَّمِ الرَّقاءِ! نكون أمام مِحْنَةِ الكَثْرَة البشرية، فالبشر استطاع أن يَقْضِي على العديد من الأمراض المُعدِيَة القاهرة للحياة، ووجد نفسه قد تحوّل إلى حالة مضادة لها. وفي زمن الكَثْرَة الفادِحَة تعاون البشر بِحُرُوبِه وأسلحته الفَتَّاكَةِ الدَّمار مع أوبئة جديدة تَسْعَى لحصد الملايين. فالواقع البشري سيزداد شراسَةً في الخراب والانتكاب، وذلك ما يَلُوحُ في أُفُقِ القرن الحادي والعشرين الذي رَفَع لافتات استحالة التَّعَايُش البشري. وإنَّ القَوْلَ الفَصْل للعُدْوَان، وهذا ليس تَشَاؤُمًا، وإنَّما قراءةً لعَالَمٍ بلا أذهان!
واقرأ أيضاً:
أحزاب بِلا دين! / أفكارُنا كَيَانُنا / معنى الحرية!!