مرت سنين وأنا لا أدري أي شيطان مًسني، حاولت أمي جاهدة قراءة الكثير من الكتاب المقدس لتصرف عفريتاً أم ماردا أو أيا ما كان، بطيبتها وببساطة قلبها الأبيض ظنت أن سحراً أسودَ قد قلب كياني ...نظريات من المؤامرة والدسائس تحاك ضدي .....
حاولت مئات المرات ...أمي لست بذات الأهمية لتمارس طقوس السحر لي، لا مؤامرة ولا نوايا مبيتة مع سبق الإصرار والترصد.
بيتها الدافىء يمتلأ بعائلة لا تسمع سوى ضحات ولربما خناقات لذيذة والكثير من الحب ورابطة الدم الوثيقة.
أنا كنت ولم أزل جزءا بعيدا عن هذا الكيان، كيان واهن كبيت العنكبوت، لا انتماء لا محبة لا ضحكة ....رصيد ضحكاتي فارغ ومستقبلي غير واعد.
احتارت أمي بي، فلا أبدو فتاة جميلة بريئة ولا صبيا شقيا مبعثر الكيان، كلما حاولت ضمي لصدرها لتشبعني من حبها أشعرها بالرفض القاطع، لا أسمح لها أن تقبلني، أو تدللني، أن تسرح شعري، أو تحدثني حديث الأم لابنتها هكذا خلقت وهكذا كياني.
اتشحت بالسواد منذ الصغر ليس حزناً فقلبي منتهي الصلاحية، ملامح جامدة وتعابير فارغة كتعابير قاتل متسلسل، رفضت تماماً ارتداء ثياب الفتيات ...رفضت صداقتهن وكرهت حتى ضعفهن وبكائهن. فكنت المراهقة الصامتة الوحيدة، وملامحي تحمل كلمة واحدة إياكِ أن تقتربي مني.....
تمر سنوات وسنوات ...وتعصف بي كل الفصول يقيم الشتاء طويلا ولربما خريف تتساقط فيه أجزاء من روحي البائسة، وتظهر نوبة الربيع ولن تصدق أي ربيع يظهر هنا، هنا تظهر الجنة من لا مكان ....ينتفض ذلك السواد وتصدح الموسيقى في كل مكان ... أتبهرج كمهرج وأبدو كفتاة ....رائحة تلال الورد تفوح مني، تبدأ مئات الكلمات ترتسم فقط السطور ...ملايين الأفكار .... يختفي النوم وتبدأ الأحلام الوردية بالتراقص أمامي ويبدأ الشعور بإنسانيتي الضائعة .....شعور كهذا أدفع حياتي ثمنا لبقائه ويهتز كيان البيت، خرجت الساحرة من سباتها ولعلها بركات ودعوات الوالدة ....أقفز هنا وهناك وبل أرغب بالمشي فوق الجدران ....الكل نيام وأتسلل كلصة أقود سيارتي بجنون بلا خوف ...بصخب ...بحياة سكنت وهدأت وآن لها الظهور وينتهي الأمر بالسجن......
وتسقط من القمة للقاع تتحطم كل عظمة مسكينة فيك، تجلس فوق سريرك بلا حراك بلا حياة ...بلا أنفاس ...فقدت الحياة مرات ومرات ومرات وهنا أنت بقايا آدمية تحقن بالكثير من الدواء لعلة لا تدري من أين جاءت .....ترفض الطعام فهزال فتجبر على البقاء على قيد الحياة، وأقسى ما تتخيله أنبوب يمتد إلى جوفك ليمدك ببقايا الأنفاس، مقيد بسريرك وأنبوب يخترق جسدك ومع تمنيات بالشفاء.
هو مس من الجنون .....لا يا أمي ليس سحراً أسودَ أو ماردا .....
ثنائية قطب تحدثكم
واقرأ أيضاً:
أنا ..... من زمن آخر .... / عائلة من عصر آخر