الكتابة تعبير عن فكرة تريد التفاعل مع الواقع الذي تنطلق فيه، ولكي تتحرك بكامل حريتها وطاقتها، عليها أن تتخلص من الثقل الشخصي لكاتبها.
وفي واقعنا الثقافي إن المنشور يكون محملا بشخص كاتبه، ومتماهيا مع أناه فلا يمكن الفصل بينهما. ولهذا ما أن تتعرض للفكرة المطروحة حتى تجدك أمام سَوْرة انفعالية سلبية ذات درجات متباينة من العدوانية.
فالذي ينشر أي شيء يتوقع مديحا وأكاذيبَ ومجاملات، ولا تعنيه فكرة المقال بل شخصه العالي المتعال. وهذا ينطبق على الجنسين وبدرجات متنوعة بعواطفها وانفعالاتها وردود أفعالها، التي ترى ما تتصوره لا ما تقرأه أو تتفحصه.
فإذا تفاعلت مع أي منشور تجد صاحبه قد استجاب لكلمة ما قدحت فيه ثورته الانفعالية أو ثؤرته.
فكيف تجرؤ أن تتحرش بما هو مكتوب، وصاحبه يرى أنه سيد العارفين ومن العلماء الحاذقين، الذين علينا أن نحيط ما يكتبونه بهالة التقديس الوهمي الفتاك؟
هذه السلوكيات تدفع إلى عدم بذل الجهد للنظر بالمنشور، ولذلك تكون نسبة القراءة متدنية، ويتحقق الفشل الذريع في صناعة التيار الثقافي القادر على التقدم والتغيير. فالحالة السلوكية اليائسة مهيمنة على الواقع الثقافي العربي، خصوصا في زمن النشر السريع والغير مقيد بشروط، ولا خاضع لمعايير التحرير وحسن الإخراج والتنوير.
ومن هنا فمَن ينشر مقالا أو نصا يحسب نفسه كاتبا أو شاعرا أو أديبا وغير ذلك، بل إن إطلاق المسميات البراقة ولألقاب على الآخرين صارت من أساليب استعباد الأدمغة وزيادة أعداد القطيع.
وفي هذا الخضم الخالي من القدوة الثقافية الحسنة، والنفوس الإنسانية السامية، تجدنا نتحرك في قيعان المستنقعات المتعفنة التي تمحقنا وبلا استثناء.
فهل لنا أن نتعلم كيف نطرح الأفكار وتفاعلها، ولا ننتمي إلى ما نكتب وكأنه يمثلنا ويجسد ذاتنا، فالفكرة طاقة حيوية تريد التواصل والتطور والنماء.
إنها مثل الوليد الذي يترعرع في أحضان أمه، ليخرج منطلقا وفقا لإرادته وما فيه من القدرات والطاقات، ولا يمكن للوليد أن يتماهى مع أمه وأبيه إلا في حالات نادرة وشاذة، وبهذا تتواصل الحياة بتنوعاتها ومعطياتها المتلاقحة!!
29\7\2021
واقرأ أيضاً:
المفردات اللغوية والحياة!! / يوسف إدريس الكاتب الطبيب!! / المدارس مرايا الأنظمة!!