عندما يغتال الربيع
نوبة الفرح أُسميها وتُسَمونها نوبة الهوس أطلت من جديد ولا يعرفها سوى طبيبك، ومن يعرفك، ستتحول لبشري يتقن فن الحياة، تضحك حتى جدران منزلك تقهقه معك، تبدأ تتحدث بلا تتوقف عن آمال عريضة يتحقق القليل ويفشل الكثير لكنه الأمل المصحوب بتلك النوبات، النشوة التي لا تقدمها جرعات الهيروين، ترى الربيع يزهر في كل جزء، لا تعرف النوم، لا حاجة له فالكثير يجب عمله، مئات ومئات الأفكار تدور برأسك كإعصار هائج. تخلع الأسود وترتدي تلال الورد وترى جمالا أخفته نواقلك العصبية اللعينة، أجزم أن الكل يحبني وأقسم لك بأني كمن تضيء النجوم في أعالي السماء.
هاتفي لا يتوقف، أحادث ممن نَسيت معرفتهم في أي حِقبة زمنية، ساعات من الحديث، وأنتقل أصنع ما لذ وطاب ولا أظن ما أصنعه شهياً جداً، إنها الخامسة صباحاً، أخبرتك توقف الزمن وبات الكوكب الأزرق بتوقيت نوبتي الوردية.
أحضر مائدة روما، أقرع طبول الحرب استيقظوا فلقد عاد الربيع ضاحكاً وهاجر الشتاء باكياً.
تسونامي عقلي لا يتوقف، أنا الابنة، الأم، الشقيقة، الصديقة، أنا الكل، لا تصمت الموسيقى ولا ضحكات الموجودين أنتزع ابتسامات الآخرين لأن رصيدي فارغ منها، هذه الطاقة هذا الإعصار لا يتوقف ولن يتوقف هو توقيت لا تعلم أين سيذهب، لا لن أحلق من الطابق رقم مئة لاعتقادي بقدرتي الحقيقية على الطيران ولربما أفعل ذلك يوما ما لا أدري هكذا خُلقت.
أسدل الليل ستاره ونام العقلاء، وبقيت خلايا رأسي تتحادث لا نوم الآن ، يجب أن أفعل الكثير والتوقيت البشري لا يكفي نوبتي هذه.
حل الملل، والوحدة، الثالثة صباحاً كأي إنسان طبيعي تَتَدثر بفراش دافىء لكني أبدو كمن يقود طائرة نفاثة لا تتوقف ولا ينفذ الوقود، أخذت مفتاح سيارتي وأبدأ القيادة بجنون بالشوارع الفارغة ، هنا وكأن الجنة حولي، لا خوف، لا حُزن على ماضٍ مات، ولا خوفٌ لا مستقبل آت. أنا وطريق لا ينتهي، سلوك في قمة الجنون، الجنون يسكنني يا سادة فلم اللوم.
انتهيت من التحليق بجنون وعدت بسلام ولعله يحفظ شخصا مثلي لا يعرف معنى الموت بلحظات كهذه، كانت أمي تجلس بيأس يعلوها مُحَياها لا تدري بأي أرض أنا، وأبي لربما نفذ صبرك يا حبيبي مني، تمنيت لو صفعتني يا أبي أو غضبت لم يفعل شيئاً، أخذ مني مفتاح سيارتي، لم ينبس أحد بكلمة ولكن للعيون لغة تقول الكثير وقرأت الكثير، أنا في ذروة هوسي وهم في ذروة بُؤسهم لامتلاكهم فرداً عَليلاً مثلي، لست أنا يا أبي إنها أشياء تسري في عروقي، أقدسك يا أمي اغفري لي هذا التهور وهذه الشخصية، بلا ملامح وبلا صفات ولم أتقن يوم سوى التمرد والجنون.
لكني ما زلت في الذروة وقررت اقتحام المكتبة فلدي الكثير لأقرأه علَ هذا يخفف قلق أمي وبؤس أبي وألم من حولي
يوم جديد وجنون جديد، أراقب الشمس تستيقظ وتدق نوافذي طالبة الإذن مني بالإشراق، وتبدأ البشرية بالاستيقاظ.
إن ذهبت لعيادة نفسية ووجدت تلك الشخصية البهلوانية، تضحك بلا توقف، تجاذبك أطراف الحديث، تتصرف على سَجيتها البريئة، أرجوك توقف عن التحديق فهو غير مُهذب خلقت مختلفة، خلقت بخلايا دماغية فريدة تدفعني لهذا، قد لا تعرفني وأحادثك وكأني أعرفك منذ عشرات السنين، أضحك بصوت عال ولربما ألقي نكتة هنا و هناك، كرجل شرقي تظنني منحللة أنا لا أحدثك بفجور وأحدثك وكلي سرور لا منطقي ، مدهشة تلك الأنثى التي لا يعتريها الخجل الشديد ولا الانحلال المخيف تحادثك بثقة وبطلاقة وبلا تردد، ولربما لا أعرفك وأستمع لك أعطيكي مئات الحكم فالحكمة تُأخذ من أفواه المجانين، لا تهمني أحكامكم ولا نظراتكم، تمنيت لوكنت كبقية البشر لكن تفردت بعائلتي وتميزت بنوباتي ويقتلني لومي وإسقاط أحكام قاسية علي..... ويبقى التجاهل سيد الموقف، في نوبة الربيع هذه أوزع الشوكولاه لأني سعيدة وأحب أن أجدها في كل شخصٍ أمامي، لكل من أصادفه في العيادة وأغرق طبيبي بها، ولا أجد سوى القلق يَعلو وجهه، كل ما أريد هو جرعة سعادة دائمة وليس حقنة تُوقفها وتحولني لتمثال شمعي تتسلل منه الحياة تدريجياً، أخذت حقنتي لأن الربيع ليس من حقي وحقي أن يثبت رأسي بخلاياه حسب التوقيت البشري البائس، يعود الشتاء سريعاً، أغلق نوافذي وألعن حظي وأتلفظ بما لا يليق بسيدة وأنام وأتمنى أن لا نستيقظ الحياة فيٍ مجدداً.
أكثر ما يؤلم في ثنائية الجحيم، الصعود للقمة بنوبة هوس والسقوط للقاع بنوبة كآبة.
حقيقياً وفعلياً لا تعرف ما هي السعادة الحقيقية فسعادة الهوس مزيفة ولا يأتيك الحزن بقدر بأًشد وأقسى درجاته، فلا نحزن كالبقية ولا نفرح مثلكم.
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
واقرأ أيضاً:
قهوة قلبي سادة / صباح يشرق فيه حبيبي / شبح كاتبة