عالَمان متأثران ومتداخلان ببعضهما، فكلّما زاد أحدهما قل الآخر، والعلاقة بينهما متوازنة لا تقبل الشطط، فكلما زاد الإبداع العلمي، قلت كمية الإبداع الأدبي، وعندما تضعف الإبداعات العلمية أو تغيب، فكمية الإبداع الأدبي تزداد، بينما إذا تألق الإبداع العلمي فإن نوعية الإبداع الأدبي ستتألق.
وهذا يفسر كثرة الحاصلين على الجوائز العالمية في الآداب من الدول المبدعة علميا، لأن نوعية الإنتاج الأدبي تكون متميزة وذات قيمة عالية.
بينما في المجتمعات التي يغيب فيها العِلم، فالإبداع الأدبي الكمي لا يمكن مقارنته بغيرها، لكثرته وضعف نوعيته، ويحصل فيها على جوائز عالمية في الآداب قلة نادرة.
ففي المجتمعات العربية، وعلى مدى أكثر من قرن، لم يحصل إلا الروائي نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وقلة آخرون على جوائز هنا وهناك. بينما لو أخذت أي مجتمع متطور علميا، لوجدتَ أعداداً من الأدباء فيه قد فازوا بجائزة نوبل، وغيرها من الجوائز العالمية، وذلك لنوعية الإبداع وقيمته الإنسانية.
وفي مجتمعاتنا نغرق بالكثرة الهائلة من العطاءات الإبداعية، خصوصا الشعرية ولا نجد غير الكم وحسب. وعندما تبحث عن النوعية فستتعب لاختلاط الغث بالسمين، وحابلها بنابلها، حتى تشوهت الرؤية وضاع الخيط والعصفور.
وعندما نتساءل عن أسباب الكم الكثير من الإبداع الشعري والأدبي الآخر، في مجتمعات الأمة، فالجواب على الأرجح لأن النشاط العلمي متوقف، أو أن الأمة معطلة علميا، وبما أنها ذات طاقات حضارية كامنة فيها، فإنها تنبعج باتجاه تفريغ تلك الطاقات الهائلة في ميادين الأدب، وكأنها تبدد طاقاتها وتسلك مسارات تساهم في مراوحتها بذات المكان.
وعليه فإن الأمة لكي تقدم إبداعا أدبيا عاليا، عليها أن تعزز إبداعها العلمي، وتجعله قيمة إنسانية ووطنية، فبدون الإبداع العلمي الأصيل لن نأتي بإبداع أدبي أثيل.
فهل لنا أن نوازن بين العلم والأدب؟!!
واقرأ أيضاً:
التأسّنية!! / الوقاية خير من العلاج!! / الكتابات التذمرية!!