نستهجن التطرف والغلو وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وما يترتب عليها من تداعيات سلوكية مريرة، وحقيقتنا أن الغلو طبعنا، وبما أن الإناء ينضح بما فيه، فمجتمعاتنا تتوالد فيها الاتجاهات المتطرفة في كل شيء، والتطرف الديني أحدها.
لو تفحصتم سلوك المفكرين والفلاسفة والمثقفين ومَن في السلطة، لتبين مدى التطرف الفاعل فيهم، فهل وجدتم مفكرا يقبل برأي مفكر غيره، وعرفتم فيلسوفا رضي بغير مشروعه، أو كاتبا لم يتمسك برأيه حد الإفراط في الغلو، وهل عرفتم مثقفا قبل نقدا ولم يعتبره عدوانا عليه؟؟!!
في هذه النماذج أمثلة لا تعد ولا تحصى، ومن النادر أن تجد مَن لا يغالي ولا يتطرف!!
أحزابنا بأنواعها ومسمياتها وشعاراتها وأهدافها، ذات درجات متفاوتة من التطرف، فتتقاتل وتتماحق، وتتشابه في مساعيها الاستحواذية على إرادة البلاد والعباد.
فلا يوجد عندنا حزب أو تنظيم غير متطرف، وجميعها تقوم بذات السلوك عندما تتوفر لها الفرصة والقدرة، وهو المحق والاقتلاع والاجتثاث، ولا تتفاعل بإيجابية مع بعضها.
ولكي تتنزه عن المآثم والخطايا تتهم الآخر البعيد، بأنه المتسبب بما يحصل لها وفي ديارها، وتجرّد نفسها من المسؤولية، وتتوهم بأنها بألف خير، لأنها لا تزال متمسكة بكرسي الحكم.
فلينظر كل منا إلى نفسه ويقيس مقدار التطرف الفاعل فيه، وسيدرك بأن العلة فينا، وتصيبنا بالنكد والقهر والعناء الشديد.
هذا الغلو يتسبب بصناعة المجاميع المتنافرة، وتخلخل التماسك الوطني، وخلق فجوات تدعو القوى الأخرى للنفاذ منها والإحلال فيها، وتجدها فرصة ثمينة لتدعيم القوى التي تؤمِّن ديمومة الفجوات، للابتزاز ووضع اليد على ثروات البلاد والعباد.
فالعيب الحقيقي فينا جميعا، والعلة علتنا، والطبيب منا، ولن يداوينا طبيب من غير مجتمعنا.
فهل لدينا القدرة على مواجهة أنفسنا؟!!
واقرأ أيضاً:
يا أمة عجبت مِنْ أهْلها الأمم / لغة الضاد ضاد اللغة!! / الجدار!!