"سياساتٌ بها الأفهامُ حارَتْ...ومِنْ وَجَعٍ إلى وَجَعٍ تنادَتْ"
يتحدثون عن الإرادة السياسية ويخشون القول، هل توجد إرادة سياسية.
الإرادة السياسية هي حرية تقرير المصير، وإتخاذ القرارات اللازمة لتأمين المصلحة الوطنية.
فهل قرارات دول الأمة تحقق مصالحها؟
وهل يوجد في الأمة ساسة بالمعنى الصحيح للساسة؟
الدول العربية أسسها ساسة متمرسون في التفاعلات الدولية، ولديهم خبرات إمبراطورية ومهارات وظفوها لتأسيس بعض الدول العربية، فانطلقت بأنظمة دستورية وقوانين فاعلة في البلاد والعباد. وأكثرها بدأت خطواتها في الطريق الأصلح لحاضرها ومستقبلها، لكنها تغيرت وتدمرت بموجة الثورات، التي هي انقلابات قادها عسكريون أوهموهم بأنهم ساسة وقادة، وهم من أجهل الجاهلين.
وأول إنجازاتهم إبادة ساسة البلاد والقضاء عليهم، وتفردهم بالسلطات، بعد إيقاف العمل بدساتيرها، فأصابوا دولهم بمقتل، وسنوا فيها سننا سيئة صارت تتكرر بين انقلاب وانقلاب. أسموها ثورات وفيها يتم محق ما أنجزه النظام السابق بواسطة النظام اللاحق، الذي يقدم نفسه على أنه أبو الوطنية ورب الوطن. وتوالت الانقلابات والتصارعات التحزبية والفئوية، حتى أوصلت أقوى وأغنى بلدان الأمة إلى تابع وخانع للآخرين. فعن أية إرادة سياسية يتحدثون؟
دول الأمة تحولت إلى موجودات قاصرة، ولكل منها وصي أو ولي أمر يرعى شؤونها، ويوجهها وفقا لبوصلة مصالحه ومشاريعه المرسومة، وهي تتحرك كالدمى لتنفيذ ما تؤمر به، وإن أظهرت بأنها ذات إرادة، يتم اقتلاع حكوماتها وقادتها وإذلالهم، ورميهم في سلال الهوان الشديد.
ووفقا لهذه اللعبة، أطلقوا الذين أوهموهم بما ليس فيهم، وسوقوهم وضللوا الجماهير بهم، بخدع ذات إخراج متطور، فتحولت الأجيال إلى أمواج تتساقط في وديان الوعيد، لتأكلها آفات الحروب والصراعات الداخلية والخارجية النكداء، التي استحضرت الويلات والبلاء.
ولهذا فإن الفاعل في مجتمعات الأمة هو ناعور الإبادات السياسية، التي يتم تنفيذها بجريمة محاولة امتلاك الإرادة السياسة، وهذا هدف محذور وخط أحمر ما بين الحياة والقبور. فكم من حر أبيٌ ألبوا عليه المصابين بوهم القدرة السياسية والقيادية، وما هم إلا دمى تتحرك عن بعد وقرب، ومَن لا يتحرك، يتم إلقاؤه في مهاوي الإتلاف المعدة سلفا لمن لا يقول نعم!!
فهل أدركنا لماذا نعيش في درك أسفل سافلين، ولساننا يردد "هيهات منا الذلة"؟!!
واقرأ أيضاً:
هل ينفع التشخيص!! / التيهان الديمقراطي!!