"وإذا كانت النفوس كبارا...تعبت في مرادها الأجسام"
أما إذا كانت النفوس صغارا، فتلك مصيبة الحياة وفجيعة الكراسي بها، والمجتمعات بغيها وبهتانها، وإمعانها بالتمرغ في الحضيض.
فالأوطان تبنيها النفوس الكبيرة، ذات العزم السامي النبيل، التي تقرأ التأريخ بعيون وعيها المطلق، وترى ما ستكون عليه أحوال البلاد والعباد في المستقبل القريب والبعيد، ولهذا تسعى لتقديم قدوة حضارية إنسانية ذات آليات تفاعلية إيجابية نافعة للأجيال.
أما النفوس الصغيرة المرهونة برغباتها وشهواتها الآنية، وتتسيد عليها أمّارات السوء والذل والهوان، فإنها لا تصلح للسير أمام قطيع من الأغنام، خشية أن تشتتها وتستدعي الذئاب لافتراسها. وعندما تكون في سدة الحكم فهمّها استجلاب الوحوش المفترسة، لحراستها وتأمين سوء سلوكها، مقابل الحفاظ على وجباتها المجانية من أبناء البلاد المبتلاة بهم.
والكثير من العقائد المتطرفة والسلوكيات المذهبية والفئوية والطائفية والعنصرية، من مصغرات النفوس ومهيناتها، والقاضيات بالإتيان بالمشينات والمخزيات، لتأمين زيادة التصاغر والانكماش والتصلد العدواني داخل متاريس الضلال والبهتان.
وتبلغ النفس ذروة تصاغرها وحماقتها وسذاجتها عندما تكون مرهونة بالتحزبات المؤدينة، التي تمنح المآثم والخطايا مسوغات شرعية وتحسبها طقوسا إيمانية، فتطلق نوازع النفوس الأمارة بالسوء والفحشاء والمنكر، بقوة فائقة وتوحشية شرسة فتاكة.
ومشكلة المجتمعات الضعيفة أنها تولي عليها ذوي النفوس المتصاغرة، فيسومونها سوء الحياة، ويحسبونها غنائم وما ملكت أيديهم المتسخة بالفساد والنهب والسلب، والاستحواذ على حقوق الناس أجمعين. فهؤلاء المنَصبون للنيل من البلاد والعباد يرون إطالة أيامهم في الكراسي دليل على صوابية آليات تحكمهم بالسلطة ونفوذهم المستطير.
ولن تتعافى المجتمعات من ويلاتها، إن لم تولي عليها كبار النفوس والعزائم والإرادات الحرة السليمة.
فهل من قدرة على أن يكون الكبار قادة وطن وأمة؟!!
واقرأ أيضاً:
التيهان الديمقراطي!! / الإرادة والإبادة السياسية!!