قال: هل تقرأ التأريخ؟
قلت: نعم.
قال: وكيف تقرأه؟
قلت: كما أقرأ أي مكتوب.
قال: إنك لا تقرأه!!
قلت:كيف؟
قال: لكي تقرأ التأريخ عليك أن تكتبه أولا!!
قلت: لماذا؟
قال: لكي تعرف معاناة الذين دوّنوه، وتتوصل إلى ما خفي أعظم!!
قلت: حاولت أن أكتب التأريخ ورأيتني في محنة ضاربة، لأن الكلمات تعجز عن تصوير الحدث، وإنما تدور حوله وتكتب عنه ولا تكتبه.
قال: صدقت، فهذه علة المكتوب والمقروء التأريخي، فالكاتب حامَ حول الحدث وما كتبه، وعليك عندما تقرأ أن تبحث عن الحدث وتكتشفه، وهنا تكمن الصعوبة الكأداء.
قلت: فما هو المكتوب حقا؟
قال: إن كتب التأريخ تعج بالمواقف والآراء والمرويات، وقد تعب الأوائل في تحويل الشفاهي إلى مدوَّن، وما تنقله الألسن يبتعد عن الحقيقة مع الزمن.
وأضاف: يبدو أن التدوين بدأ في العصر العباسي، أو أن العباسيين قد محقوا ما دوَّنه الأمويون، والأمويين ربما محقوا ما قبلهم.
فهل يُعقل أن السيرة النبوية أول ما دونت في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس وبأمر منه؟
قلت: لا علم لي بذلك.
قال: وهل يُعقل أن معاوية بن أبي سفيان لم يدوِّن شيئا على مدى أربعين عاما من حكمه كأمير وخليفة؟
احترت في الأمر، ورأيت أن أمضي أبحث في الكتب التي تنقل لنا الأخبار، وهي ممتعة وفيها المعقول والمقبول وما هو منقول وحسب
واقرأ أيضاً:
وإذا كانت النفوس صغارا!! / القوة العلمية!! / الرواسخ والنواسخ!!