هناك مثل شعبي شائع في مجتمعاتنا يقول "التكرار علَّمَ الحمار"، وفيه معنى كبير، فهو ناضح من ملاحظة ذكية وفكرة ثاقبة، فالتكرار يحفز العديد من العُصيبات الدماغية ويساهم في تقوية التواصل بينها، ويستحكم دوائرها التفاعلية، فتكون أكثر قدرة لاكتساب المهارة والخبرة على الاستجابة الصائبة.
فعندما تتعلم السياقة في البداية يكون الأمر شاقا، ويتطلب إعمال العديد من الأجهزة الحسية والحركية، لكن التكرار يجعلنا نقود السيارة بهدوء وسكينة، وقد تأهب دماغنا للاستجابات المطلوبة في أوانها، فيكون تفاعلنا مع السياقة، وكأنه انعكاسي لا يحتاج لتفكير، لأن منظومة السيطرة والقيادة الدماغية اكتسبت المهارة العملية والقيادية، اللازمة للقيام بالأمر دون الحاجة إلى تعطيل مراكز أخرى.
وفي عالم الإبداع تبدو الحالة كذلك، ففي الشعر مثلا عندما يلتزم الشاعر ببحر شعري أو أكثر، وتتكرر ممارسته للكتابة بهما، فما يريد قوله ينساب بهدوء وتواصل، وكأنه يتنزل من صحائف في أروقة خياله. وما جرى أن التكرار قد صنع دوائر عُصيبية ذات طاقات إبداعية وتوليدية تستحضر ما تريده القصيدة.
وكذلك الإبداع بأنواعه كالقصة والرواية وغيرها، خصوصا عندما يتمكن الكاتب من تكرار نشاطه في ذات الوقت، ففي ذلك إعداد لعُصيباته الدماغية لتتعود على التحفز والنشاط في مواعيد ثابتة، فيمكنها الإتيان بالأحسن والأقدر.
ولهذا نجد الكتاب المتميزين يكتبون في أوقات معينة، فيكون إنتاجهم وفيرا في وقت قياسي، لأن دوائرهم الدماغية اكتسبت المهارات الإبداعية اللازمة للإتيان بما يساهم في تقديم الأروع والألمع.
إن تعويد الأدمغة على النشاطات الإبداعية المتكررة، في أوقات ثابتة، يساهم بإبداعات مؤثرة في أدمغة الآخرين، لأنها تنطلق من بؤر دوائرية ذات طاقات خلق متقوية. وعليه فإن التكرار مفيد لأنه يرسخ ويعمّق الصلة ما بين الدماغ والحالة المتكررة.
وهكذا فإن المبدع الذي يكتب في وقت محدد يوميا، سيكون ما يعطيه متميزا وجديرا بالحياة!!
8\12\2021
واقرأ أيضاً:
التلقيح الذهني!! / التأمل والتحمل!!