من الأساليب المتعارف عليها في الكتابة عن أي موضوع، أن تسجل ما يتوارد من أفكار بخصوصه، ودراستها وترتيبها بآلية منطقية، ذات منهج واضح يخدم الغاية والهدف من الكتابة.
ومن طبيعة الدماغ البشري بسبب تركيبته الترابطية العُصيبية، إنه يستحضر الأفكار التي لها صلة ببعضها، وهناك أدمغة تستحضر ما لا يترابط أو "يتمثرد" (من المثرودة)، ويطلق عليه في المصطلحات العلمية (زلاطة أفكار)، أي أن الأفكار تتقافز كالأسماك على وجه الماء، ولا من ترابط معلوم بينها، وربما يكون الرابط خفيا يجهله العاقل ويدركه المجنون.
وعندما تندلق الأفكار على السطور، كموضوع أو نَص أدبي فكري وغيره، تتضح الصورة الكاملة للأفكار المطروحة، وهل هي مترابطة أو متنافرة ومتشظية.
والذين يتركون العنان لقلمهم ليسجل ما يتوارد إليهم من الأفكار التي توهمهم بالإبداع ، فيحسبونها شعرا وجنسا أدبيا ما، و"يطمغونها" بما يرونه من المسميات المعروفة، وهي لا هذا ولا ذاك.
وما يُسمى بالشعر المنثور ربما يقع تحت هذه الخيمة المهلهلة الرخوة الأوتاد.
فالأفكار المنسابة باضطرابية، والمستحضِرة لما يوافقها من الأفكار الغريبة، صارت تسمى "إبداعا"، وما هي سوى اضطرابات وعواصف أفكار بحاجة لتهذيب وتشذيب وتقليم وتطعيم وتنظيم، وصب في شكل تستسيغه الذائقة البشرية، وتتمتع به، أما أن يكون المكتوب سببا لوجع الرأس والتدويخ، على أنه رمز وغموض وتمويه، فهذا من بنات وأمهات الهراء العجيب.
فاللغة أداة تواصل وتفاعل ما بين الناس، وإذا فقدت غايتها فلا قيمة لها ولا داعي لوجودها، وسقط الكلام في متاهات الهراء، والهذربة الخالية من الفحوى والمعنى المفيد.
إن عصف الأفكار قدحة بحاجة لجد واجتهاد، ومثابرة وخبرة ومهارات تعبيرية، وآليات منطقية ومنهجية، تساهم في التواصل مع العقل وتحفيزه على المزيد من العطاء الجدير بالحياة، أما أن تنسكب على الورق كما تأتي، فهو العدوان على الفكرة والإعدام للإبداع!!
واقرأ أيضاً:
هل ستنتصر السلحفاة؟!! / لا تطعموهم!!