هل أن الكراهية وليدة الجهل ومحدودية البصيرة، أم أنها استعداد مطمور في الأعماق البشرية تحث عليها إرادة النفس الأمارة بالسوء؟
الكراهية في جوهرها تعبير عن العدوان، والعدوانية طاقة كامنة في المخلوقات الترابية قاطبة، وهذا ربما يدلل على أن الكراهية استعداد.
البعض يرى أنها سلوك مُتعلم تفرضه البيئة وظروف النشأة التي يترعرع فيها المخلوق.
لكن العدوانية تبرز في حالات قد تباغتنا وتدهشنا، فهذه الكلبة التي نعتني بها ونداريها ونتعاطف معها، في لحظات ما عندما تقدم على عمل ما يخاصمها تكتشف أنها ذات عدوانية شديدة ومفاجئة، مما يوحي بأنها لا تستطيع أن تكتم ما فيها من الطاقات السلبية عندما تحين ظروف ومبررات إطلاقها.
ووفقا لاعتبار الكراهية آلية للتعبير عن العدوانية تجاه الأفراد، فإنها تنطلق في دنيا البشر كلما تحرر من قاهرات الدوافع وكاتماتها، وشدة الانطلاق تتناسب طرديا مع قوة الضغط المسلطة عليها، فكلما زاد الضغط، كان انطلاقها أشد عنفوانا، وهذا يفسر ما يحصل للشعوب التي ترزخ تحت أنظمة استبدادية طاغية، فحالما تنهار تلك الأنظمة تعيش المجتمعات في دوامات الكراهية، المعبر عنها بالعدوانية القاسية وفي التأريخ أمثلة متعددة ومتكررة.
والحروب عليها أن تؤجج الكراهية لتحقيق العدوانية، والاندفاع السافر نحو الآخر، بهدف تدميره والقضاء عليه، وبدون الكراهية المتنامية لا يمكن إدامة العدوانية وتطويرها، وهذا يتسبب بجرائم بشعة في ميادين المعارك.
وفي المجتمع البشري تعبر عن دورها بأشكال لا تحصى، فالشارع يزدحم بالممارسات الواضحة عن الكراهية الفاعلة بين البشر، ويمكن ملاحظتها أثناء قيادة السيارة، فسلوك الكراهية ينعكس في طريقة قيادتهم وعدم احترامهم للآخر.
فالذين يتحدثون عن المثاليات لا يتصلون بالواقع، ويتصورون ما لا وجود له في نهر الحياة، الذي تتصارع فيه الموجودات وهي معبأة بطاقات الكراهية الدافعة للعدوانية النكراء.
فهل لنا معرفة ما فينا؟!!
واقرأ أيضاً:
نخوة المعتصم!!(3) / أمّتي!!