"الظلم من شيم النفوس فإن تجد.... ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم"
عندما تستسيغ الشعوب وجود حاكم ظالم، فالذي سيأتي بعده سيكون أشد ظلما منه، وذلك قانون فاعل في مجتمعات الدنيا عبر العصور.
فالظلم يعبِّد الطرق لما هو أظلم وأقسى، بموجب تعوّد النفوس عليه، وتعبيراتها المتوافقة مع ما يثيره فيها، والأجيال المطبوخة في أوعية الظلم تكتسب قابلية على تحمل المزيد منه، ولهذا فإن الحاكم الذي يأتي بعد حاكم ظالم سيكون أشد ظلما لكي يحكم.
وهذا سلوك بشري جماعي، عندما تصبح المجتمعات قطيعية المواصفات والتوجهات، فالقطيع بحاجة لقوة تناسب حجمه، وكلما زاد عدد القطيع، يتوجب زيادة القوة للقبض على مصيره.
وفي دولنا العديد من الأمثلة المعاصرة عن فاعلية هذا القانون في مسيرتنا، فما أن يتغير نظام الحكم المستبد حتى نأتي بما هو أكثر استبداداً وعدوانا علينا منه.
ولهذا فدولنا التي كانت ترزخ تحت أهوال الاستبداد، تحولت إلى "شذر مذر"، لأنها اصطفت أساليب استعبادية استلابية أشد قسوة من سابقتها، بل ومسوَّغة بموجب مآثمها، فالذي كان أصبح مقياسا لما هو كائن.
والعجيب في أمر مجتمعاتنا، أنها اتخذت من الدين مطية للاستحواذ والطغيان، والعدوان على الشعب المنهوك من أوجاع الحكم المستبد الشديد الامتهان.
فما عاد الحكم سلوكا فرديا أو متصلا بوجود نظام، وإنما اكتسب معاني عقائدية، وتفاعلات ذات مغزى آخر يجرد الظالم من ظلمه، ويحسبه طقسا تعبديا يقربه إلى ربه المُصنع على هواه.
وتلك محنة مجتمعات الدنيا بأنظمة حكمها، التي تريد الانفلات والتأسد والظلم وامتهان غيرها، وفق مسوِّغات مخادعة مضللة، ونعيشها اليوم في أعتى مراكز القوة، وربما سينجم عنها تداعيات مريرة غير مسبوقة.
فهل أن الظلم سلطان؟!!
واقرأ أيضاً:
أعوام توالت!! / الهاربون!!