منذ البدء كان للكلمة دورها وأثرها في صناعة الحياة، وعندما اخترع السومريون الكتابة استطاعت البشرية أو تؤسس لأرشيف معارفها وتحفظ ذاكرتها وتتواصل مداركها وقدرات وعيها عبر الأجيال المتعاقبة.
ومضت الكلمة تؤدي دورها حتى نهاية القرن العشرين، وما أن أطل القرن الحادي والعشرون حتى انفجرت الثورات التواصلية في أرجاء الدنيا، وصار للسرعة دورها الفعال في صناعة الرؤى وترسيخ الآراء.
على مدى القرن العشرين كان الإنسان في المجتمعات المتحضرة يحمل كتابا ويحدق فيه أينما وجد وقتا لذلك، فتراه يقرأ في القطار والباخرة والطائرة والحافلة، وعند محطات الانتظار، وفي أوقات الراحة والاستجمام.
كانت تلك ظاهرة سائدة في مجتمعات الدنيا، أما اليوم فمن النادر أن تجد مَن ينظر في كتاب، وما يسود أن الجميع يتسمرون أمام شاشة صغيرة ويتحدثون مع أناس غير موجودين بقربهم.
فأينما تذهب تجد الناس تحدق في شاشة الهاتف، وترسل ما تريد، وتتلقى عشرات الرسائل في وقت قصير، فالناس تتفاعل وهي صامتة، وتتواصل في جميع الأوقات، أي أن البشر ارتبط ببعضه بآليات غير مسبوقة.
وأكثر ما يحدقون فيه هو الصورة، فالهواتف تنقل ملايين الصور في دقائق، فأصبحت الصورة تعبّر عمّا لا يُحصى من الكلمات، فالصورة بألوانها وحركاتها ومزوقاتها، انتصرت على الكلمة في أيامنا المعاصرة.
وبسبب تأثير الصورة الساحر ذبل تأثير الكلام المكتوب والمنطوق، أيا كان نوعه، ولا بد من القول بأن الصورة هي سيدة الفعل وقائدة التأثير في المجتمعات البشرية.
فهل ما نكتبه ينفع؟
هل أن الإبداع الكلامي والكتابي له أثر في صناعة الحياة؟
من الصعب الإجابة على السؤال، ما دام الواقع تختلط فيه أجيال قرنين، فأكثر حملة الأقلام من الجيل المخضرم، الذي أمضى معظم عمره في القرن العشرين، ولهذا فأن الجواب على السؤال بحاجة لبضعة عقود قادمات، ويبدو أن النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، سيحمل الجواب الأصوب.
هل سيتمكن البشر من استنطاق الصورة، وتحميلها الأفكار بآليات لا ندركها الآن، وأظن المفاجآت التواصلية والتقنية ستكون حبلى بالعديد من المباغتات التفاعلية، المستعصية على مداركنا في الوقت الحاضر.
والسرعة تزداد حتى أن الزمن سيفقد أبعاده، وستتموضع الأشياء في أكثر من مكان واحد في آن واحد!!
وأن القوة في المتناهيات بالصغر!!
وكأن الصفر يختزل أمة الأرقام!!
واقرأ أيضاً:
الرغيف والرغيف!! / التعددية بين الوهم والواقع!!