المجتمعات يكوّنها ما فيها من الطاقات والقدرات المعبرة عن جوهرها، وأية قوة خارجة عن كينونتها الأصيلة تدمرها ولا تبنيها.
العلاقات الغابية الدولية ذات مفهوم واضح مفاده أن قوة ما (فردية أو تحالفية) تبسط سيطرتها على الدول الأخرى وتزرع فيها ما يؤمّن مصالحها، وتستعمرها بأساليب معاصرة شديدة الخداع والتضليل، خلاصتها أقتلك بما تريد، أو أستعبدك بما تريد.
ولهذا الاقتراب وسائله المتنوعة التي فعلت فعلها بوضوح منذ النصف الثاني من القرن العشرين، والأمثلة عليه متوفرة في بقاع الدنيا كشرق آسيا والشرق الأوسط، وبعض دول أوربا الشرقية.
ولابد من القول بخصوص مجتمعاتنا أن الإسلام أطلق الاستثمار الأربح بالكوامن الفاعلة فيها، فنظمها لتأكيد الإرادة المطمورة ذات النشاطات المبعثرة، ووحدها نحو هدف تتدفق باتجاهه الطاقات الفردية والجماعية، مما أسهم بإرساء الكيان الحضاري المتميز، الذي تتكلم عنه الشواهد والملاحم الإبداعية على كافة المستويات.
إن إغفال حقيقة التكون الذاتي والتشرنق التفاعلي ما بين الإرادات المجتمعية الأصيلة، بعيدا عن المؤثرات الخارجية الساعية لتأمين المصالح وإنجاز المشاريع العلنية والخفية، هو المسار الأنجح والأكثر أمانا وديمومة من الاندفاع الأعمى في دروب الأضاليل المسوقة بأغلفة جذابة تستولي على العواطف والمشاعر وتلغي العقول.
وما أصاب دول الأمة وغيرها من دول الدنيا، تسببت به مطاردات سرابات متوالية خلاصتها أن التقدم يكون باكتساب ثقافات المتقدمين، الذين يصدرون إلى الآخرين ما يصنعون، ويوهمونهم بأن التصنيع أمر عسير، ولن يتقدموا في مراتبه ويكونوا من المنتجين، وفي ذلك حرب نفسية اقتصادية لترسيخ الاستعباد والتبعية.
بل التوجهات التضليلية وصلت إلى أن العديد من المجتمعات احتقرت الزراعة والتربية الحيوانية، ووجدت نفسها تعتمد على الآخرين في إطعامها، فصارت تابعة لهم وقابعة في أحضانهم الحارقة.
فلا بد من الاستثمار في خزين الطاقات البشرية وعدم الانصياع لإرادات الطامعين، المعبرين عن آليات الافتراس المبرمج الذي يستنزف طاقات الأمم والشعوب، ويصبّها في بوتقة الاستحواذ والهيمنة المريرة على المصير.
فهل لنا أن نكون بمعدننا الأصيل؟!!
واقرأ أيضاً:
التعددية بين الوهم والواقع!! / الصورة والكلمة!!