اهتزت مدينة المنصورة الآمنة على حادثة مفجعة (الأثنين 20 يونيو 2022)، يكمن وراءها حالة من هوس الحب الطاغي العنيف من طرف واحد، شاب في السنة الرابعة بكلية آداب يطعن فتاة جميلة ورقيقة أحبها بجنون ولم تبادله الحب، وحين سقطت على الأرض بفعل الطعنات، وحاول المارة الإمساك به استدار وذبحها بوحشية أكثر ليتأكد من الإجهاز عليها تماما.
يعتبر تبادل الحب والمشاعر العاطفية عند الإنسان (رجلا كان أو امرأة) حالة طبيعية، إلا أن هناك شكلاً مرضياً لهذا الحب، وهو إذا كان ليس له وجود إلا في ذهن طرف واحد.. ولا يدرك الشخص المصاب بهذا الهوس في العادة أن الطرف الآخر لا يحبه ولا يكن له أي مشاعر، بل يمكن أن يكون الأمر على النقيض، أي يكون الطرف الآخر ينظر إليه بضيق أو اشمئزاز أو تذمر أو خوف.
وهنا يثور السؤال هل يمكن أن يقتل المحب المهووس محبوبته التي ظل يطاردها بحبه في كل مكان بشكل إلحاحي لزج ومستميت، ويتقدم إليها فترفضه ويرفضه أهلها ويركب خلفها الأتوبيس ويحاول الجلوس بجوارها فترفض، ويحاول ملاحقتها بعد النزول فترفض، وحين يتأكد له استعصاءها على حبه لا يتحمل فكرة أن تكون لغيره فيدفعه حب التملك إلى ذبحها لينهي صراعه معها ومع نفسه.
إنها حالة هوس الحب Erotomania والتي تتسم بحالة افتتان شديدة تملك على الشخص كل كيانه ويرى في محبوبته كل معاني الجمال والسحر فتطغى عليه مشاعره، ويحلم بها ليلا ونهار، ويصبح تحت تأثير حالة من الوجد الهائلة وتتمكن منه رغبة عارمة في تملك محبوبته بأي شكل حتى ولو كانت هي ترفضه أو تكرهه، ويحدث لديه نكوص طفولي فيراها كأنها لعبة يريدها لنفسه ولا يفكر فيها كإنسانة لها خياراتها وإرادتها .
يعتبر تبادل الحب والمشاعر العاطفية عند الشخص حالة طبيعية، إلا أن هناك شكلاً مرضياً لهذا الحب، وهو إذا كان ليس له وجود إلا في ذهن طرف واحد، وهي الحالة التي يعبر عنها بمتلازمة الهوس العاطفي ... وهذه الحالة نراها كثيرا من مهاويس عشقوا بعض نجوم الفن أو الكرة أو المشاهير عموما، وراحوا يطاردونهم في كل مكان ويدّعون أنهم يبادلونهم الحب، ويرسلون إليهم الرسائل والهدايا، ويعيشون على أمل كاذب في أن ينتبه إليهم المحبوب أو المحبوبة.
وهوس الحب يزداد اشتعالا إذا كان هذا الشخص المحب يتعاطى بعض المخدرات، حيث تضعف مراكز التحكم والسيطرة الموجودة في الفص الأمامي من المخ فتنطلق غرائز الحب والجنس والعدوان بشكل انفجاري فتدفع المحب إلى تصرفات منفلتة أو إلى جريمة قتل كما رأينا. ونخص بالذكر في هذا المقام مخدرات مثل الشابو والاستروكس والحشيش، وقد أشارت بعض المواقع إلى وجود بعضها في تحليلات الجاني، وهذه الأنواع من المخدرات ارتبطت بعدد من جرائم القتل الموغلة في القسوة في الفترة الأخيرة.
وهذه الحالة تظهر في الأشخاص الذين حرموا الحب والحنان في مراحل نموهم المبكرة، فيصبحون عطشى للحب، وحين يلتقون بمن يفتح أبواب كهوف الحرمان لديهم يحاولون ليس فقط امتلاك المحبوب بل ابتلاعه ليتحقق لهم الإشباع والأمان، ويظهر أيضا لدى الشخصيات الانطوائية التي تفتقر للذكاء الاجتماعي الذي يمكنها من الاقتراب من المحبوب بشكل مقبول، حينئذ يحدث الاحباط العاطفي الذي يتحول إلى عنف وقد ينتهي بالقتل إذا كان المحب مليئا بمرارات الأسى والفقد وضعف الثقة بالنفس وذكريات الرفض والنبذ والاحتقار.
وأحيانا يطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة الهوس العاطفي"، وقد ينقلب الأمر في بعض الأحيان إلى محاولة التخلص من المحبوب، وكذلك إيذائه باعتباره خائناً للحب الذي ظن المريض أنه يوجب له حق الإخلاص، وكذلك إذا قابل هذا الشخص تصرفات المحب المهووس بسخرية أو رفض أو جفاء شديد.
وفي حالة جرح مشاعر المحب المهووس يتحول إلى خطر على محبوبته أو على المجتمع، فعندما يشتعل الحب وتشتعل معه الغيرة ويكثر الشك، فليس هناك من وسيلة لكبح جماح الانتقام أو محاولة الإيذاء والتي قد تتصل إلى قتل المحبوب ... وهذه الملابسات يحتويها سياق اجتماعي ضاغط ومحبط وسط ظروف اقتصادية محلية وعالمية صعبة تجعل انفجار دفعات العنف لدى الناس سهلة وقريبة وخاصة فئة الشباب التي تعتبر من الفئات المعرضة للانفجار في هذه الظروف.
وهذا الذي ذكرناه عن هوس الحب أو ارتكاب الجريمة تحت تأثير المخدرات، أو الظروف الحياتية الصعبة لا ترفع أو تخفف المسئولية عن الجاني، خاصة إذا كان قد أعد عدته بتجهيز سكين للذبح، وارتكاب الجريمة على دفعات متتالية بإصرار مؤكد وبوعي كامل، وأن تكون ضحيته فتاة جميلة ملكت عليه شغاف قلبه، ولنترك التحقيق يأخذ مجراه مع الجاني، ونترحم على الفقيدة وندعو لأهلها بالصبر على مصابهم الأليم .. ونردد في أسى : "ومن الحب ماقتل".
واقرأ أيضا:
المرض النفسي أسراره وآثاره3 / الأمن القومي النفسي