التأريخ البشري يكتبه قادة الأمم، فالشعوب لا تكتب تأريخا بل الأدوات التي يتحقق كتابة التأريخ بواسطتها، وهي لا تقود، فلابد من قائد يأخذها إلى حيث يريد.
ذلك سلوك نحاول أن نخادع أنفسنا لنكرانه، والقول بما لا يتوافق مع ما يجري فوق التراب من أحداث وتطورات، وصرنا نتوهم بأن الديمقراطية هي حكم الشعب، فهل وجدتم شعبا يحكم في التأريخ الغابر والمعاصر؟
وهي باحتصار تعيين مَن يقودون الشعب بما نسميه انتخابا، فيذعن لإرادتهم ويمضي خلفهم بلا قدرة على اتخاذ قرار، وأما التظاهرات إن وجدت فهي صراخات بلا صدى، ما دام الفاعلون منصّبون من قبل الشعب الذي ارتضى أن يكون تقرير مصيره بأيديهم.
وفي هذه التفاعلات العشوائية يبرز دور القائد الذي يمتلك المواهب والقدرات الذهنية والنفسية والروحية، لصناعة الخليط المتجانس اللازم للوصول إلى إنجاز أهدافه، التي عبأ الشعب للمسير بقوة نحوها مهما كان الثمن. والشعوب التي لا تحظى بقيادات قادرة على لم شملها، ووضعها في مسار واضح تصاب بالذل والهوان، والافتراس من قبل الذين لديهم قادة يقودونها نحو المرام.
لو تأملتم أفظع الحروب لوجدتم معظمها قامت بها أنظمة ديمقراطية، وشعوب اختارت قادتها ومضت خلفهم إلى حيث تحقق تطويعهم، وترويضهم لتمرير إرادة القائد الذي هيمن على وعي الشعب.
فمصير الشعوب والأوطان مرهونة بقادتها، والقول بأن الشعوب هي التي تقرر نوع من الفنتازيا المجردة من رصيد واقعي كفيل بتبريرها.
وعندما نتابع مسيرات دول الأمة نكتشف أن مصائبها الكبرى جاءت من قادتها، الذين لم يستوعبوا تأريخها وتجاهلوا جوهرها، وانطلقوا في مسارات خائبة على سفوح التدحرج في أحضان الآخرين، فعاشت الأمة عقودا مريرة مرهونة بتصورات وتطلعات لا تمت بصلة إليها، حتى وصلت إلى ما هي عليه، والعيب الأول والأخير في الذين تسنموا قيادتها، ولا تزال العديد من دولها تعاني من ضعف القيادة، وجهل الحكومات وإرتهانها بإرادة الطامعين بالبلاد والعباد.
ولن تكون الأمة دون قيادات بحجم مقامها الحضاري الإنساني السامي النبيل!!
فهل من رؤوس صالحة لقيادتها؟!!
واقرأ أيضاً:
الحياة غرغرة!! / المذيعون واللغة!!