"قال" قوة فاعلة في وعي الأجيال الجمعي، ويتحقق ربطها بحالات لا تمت بصلة إلى الواقع البشري، فتقرن بأشخاص أخرِجوا من آدميتهم وتحولوا إلى آلهة أو أوثان رمزية مقدسة، فأقوالهم أعظم من قدرات الوجود الكوني بأسره.
إنهم قالوا وهو قال، وغير ذلك لاقيمة له ولا دور، وعلينا أن نؤمن بقيل وقال.
هذا حال أمة في القرن الحادي والعشرين، والدنيا منشغلة بالأفكار وتطويرها وتصنيعها، وأبناؤها معتقلون في زنزانة قال.
ولو تفحصنا الخطب والكتابات بأنواعها، لوجدناها محشوة بما قال فلان وقال فلان، ومهما كان القول غابرا ومنافيا للبديهيات، فهو القول الفصل ومعيار السلوك وتقرير مصير الناس.
أقوال مضت عليها قرون، والمتاجرون بها يرفعون راياتها ويتسيّدون الناس بها، لأنها تؤجج العواطف وتلهب المشاعر، وترهن المغفلين بإرادة الغيب المُسخر لإنهاكهم ومصادرة مصيرهم.
ولدينا ما لا يُحصى من الكتب المحشوة بإبداعات "قال"، ولا توجد أمة تمحنت في مستنقعات "قال" مثل أمتنا، التي ألغت حاضرها ومستقبلها وتشبثت بماضوية "قال"، ولا يوجد في أرجائها صوت "يقول"، وفكرة معاصرة تجول .
والدنيا تندفع بسرعة في فضاءات الذكاء الاصطناعي، الذي سيقلب آليات وجودنا فوق التراب رأسا على عقب
فهل لنا أن نستفيق ونتحرر من قبضة "قال"؟!!
واقرأ أيضاً:
وإن الحرب أولها كلام / الثورات والتاريخ