القائلون بأن تأريخنا أسود، يعمهون في الضلال، ويغطسون في الأوهام، ويغرقون بالمقدس الانفعالي الفتان.
هؤلاء ترسخ في وعيهم تكرار المساوئ والخطايا والآثام، فتمترسوا داخل جدران عاطفية سميكة تعطل العقول، وتؤجج النفوس الأمارة بالسوء والبغضاء.
ويحسبون الأجيال السابقة ملائكة وليسوا من البشر، ويضعون ما حصل في العصور الغابرات في ميزان المثاليات، والمقدسات، وما تمليه عليهم التخيلات والتصورات.
وقد نبه إلى هذه العاهة الوخيمة العلامة ابن خلدون (1332 - 1406) في كتابه "مقدمة ابن خلدون"، فدعى إلى إعمال العقل ووزن الخبر المنقول، ووضعَ منهجا عقلانيا منطقيا واضحا لقراءة أو كتابة التأريخ.
فمنذ ذلك الحين أثبت أن التأريخ المسطور فيه المدسوس لأغراض سيئة، وعلينا أن نمحّص ما نقرأ ونستخرج المعقول الواضح المبين.
وعندما نقرأ التأريخ بمنظار ابن خلدون، تتكشف حقائق وحالات تناقض ما يُطرح ويُتداول، ويُتاجر به عبر الأجيال، والمشكلة العاصفة في أرجاء الوعي الجمعي، أن التقديس عشعش فيه، وصار المنقول المكرر مقدس ولا يجوز النظر إليه بعين العقل والسؤال.
ويبدو أن البشر ميال لقبول اللامعقول، أكثر من قناعته بالمعقول، لأنه إذا أعمل عقله سيبذل جهدا في البحث والاستقصاء، بينما اللامعقول يشل عقله، فيستسلم له، خصوصا عندما يكون مقرونا بسلوكيات ذات انفعالية عالية وأحداث درامية تحفر لها أخاديد عميقة في مواطن إدراكه.
ويلعب أصحاب الأقلام دورهم في ترسيخ الانحرافات المعرفية، وتقرير السلوكيات الغريبة، وتوطينها في العقول والنفوس، وصناعة الوجود القطيعي المذعن لها.
وبهذا تتنامى التفاعلات السلبية، ويتحقق استحضارها وتسويغ أعمال السوء.
ويغفل الكثيرون أن تأريخنا هو الأرقى والأنقى، والأقرب إلى السلوك الإنساني النبيل، رغم ما فيه من نكسات.
فلماذا نغفل المنير ونستحضر السجير؟!!
واقرأ أيضاً:
الهدف المقتول بعناصره!! / إنهيار الوعي الحضاري العربي!!