الأمم أدركت أن زمن القتال العضلي والمواجهة التقليدية قد انتهى، وأول الأمم التي وعت هذه الحقيقة هي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فأعادت ترتيب أفكارها وانطلقت بمبادئ وتقاليد "السامورائي" إلى ميادين القتال العقلي، فتمكنت من الانتصار على الآخرين، وتأمين الهيمنة الاقتصادية والابتكارية، التي تميزت بها في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا تزال متجهة نحو ميادين الإبداع والابتكار والتصنيع المتميز الذي هيمنت به على الأسواق العالمية.
اليابان انطلقت مما فيها وعندها من التقاليد والأعراف والممارسات وطورتها لترتقي بها وتكون، ما تنازلت عنها أو قللت من شأنها ودورها وقيمتها، فالياباني اليوم "سامورائي" معاصر يجاهد في تنمية قدراته وتطوير نوعية إنتاجه، ومعايير إبداعه التي يتفوق بها على الآخرين.
ترى كيف استطاع الياباني أن يحقق ما لم تحققه أية دولة عربية رغم أن بعضها انطلقت قبل اليابان بعقود؟!
من أهم الديناميكيات هي اللحمة الوطنية، والثقة بالنفس والإصرار على تأمين عناصر العزة والكبرياء والشموخ الحضاري، فعزة النفس اليابانية ذات مستويات فائقة لا تقبل المساومة، وخسارتها في الحرب العالمية الثانية لا يمكن احتمالها، ولابد من تحقيق الانتصار مهما كان الثمن، فالياباني لا يعرف الفشل والهزيمة ولا يستكين لهما ويتداولهما، بل يرفضهما وينطلق منهما إلى ميادين انتصار أرحب.
وهذا ما أكده السلوك الياباني، فبرغم مرارة الهزيمة وخسائرها الجسيمة، لكن المجتمع تحرك كقوة متعاضدة وحاربها، وأوجد منافذ للنصر المطلق عليها، فلا هزيمة بعدها، بل انتصارات متراكمة وإبداعات متعاظمة، وقدرات متفاعلة للقبض على إرادة الدنيا وتسخيرها لصالحها.
هكذا هي الشعوب والمجتمعات المتلاحمة، التي لا تسمح بالفرقة والتشتت، وتتماسك مؤمنة بوطنها وبإرادتها المتوثبة إلى آفاق قدرات أقوى وتطلعات أبهى.
فهل لنا أن نتعلم من اليابان؟!!
واقرأ أيضاً:
أفكار القبور لا تبور!! / جحيمات شرق أوسطية!!