المخلوقات تميل للتبعية لتتخلى عن المسؤولية، والبشر فيه رغبة كامنة للتبعية لأن الخوف من المسؤولية يهيمن عليه خصوصا عندما يتعلق الأمر بالغيبية، ولهذا تجده ينصاع لمن يراه يمثل الدين الذي يعتقده أو ينتمي إليه، فيعطل عقله ويمضي خلفه.
وهذا السلوك أزلي الامتداد ومتواصل، فحالما يواجه البشر تساؤلات حول الحياة والموت، يكون تابعا لشخص ما أو قوة معينة يرمي عليه أو عليها المسؤولية، ويحرر نفسه من النتائج المترتبة على سلوكه.
ويعرف هذه الحالة المتاجرون بالدين فيوظفونها بمهارات متراكمة ويستثمرون فيها أعظم الاستثمار، فيتحول البشر في عرفهم إلى بضاعة تدر أرباحا، لأنه وهبهم مصيره وأذعن لارادتهم ونفذ تعاليمهم ومضى في طريقهم.
ولذلك فللرموز الدينية المتنوعة تابعين خانعين يضحون بأنفسهم في سبيلهم، ليس عن إيمان أو وعي وإدراك، وإنما بسبب الانتماء العاطفي الأعمى الشديد . الذي يلزمهم بالتحول إلى دمى وبيادق تحركها تلك القوة الرمزية أنّى تشاء.
والحقيقة أن التابع فيه طاقة تشده للتبعية ورغبة ملحة للتجرد من المسؤولية، لأن الجهل عميم والوعي سقيم، وقدرته على التفاعل العقلي ضعيفة، وتجنبه السؤال من أكبر المعضلات التي تقيّده وتمنع عنه المعرفة والتعلم، والوصول إلى أجوبة ذات قيمة ومعنى، فيكون من السهل عليه أن يجد الأجوبة جاهزة أمامه ويمضي مع الكثيرين في ترجمتها، والتعبير عن سلوك "حشر مع الناس عيد".
وقد أشار القرآن إلى هذا السلوك التبعي الأعمى وحذّر منه، ودعى البشر إلى التفكر والتبصر وتحمل المسؤولية المصيرية، لأنه سيكون بعد موته لوحده أمام ربه، ولن يشفع له أي شخص آخر سوى نفسه، وما قدمه في دنياه من أعمال صالحة ومتفقة مع إرادة الله.
ويبدو أن أكثر الذين يستعبدون البشر ويستثمرون بميلهم للتبعية، من الذين لا يؤمنون بما يقولونه ويتظاهرون به، لأنهم لو امتلكوا وعيا حقيقيا ومعرفة سليمة بالدين وعلاقة الخالق بالمخلوق، لترددوا كثيرا وعملوا كأن ربهم يراهم، فتسودهم التقوى والورع، لا كما نشاهدهم برغباتهم الدنيوية المفلوتة، ونفوسهم التي تأمرهم بما يغضب الله ويذل عباده، ويستجلب عليهم الويلات وسوء المصير.
إن الدين يدعو للتحرر والانعتاق من النبعية والعبودية، ويفرض على البشر تحمل مسؤولية رحلته في الحياة الدنيا، ولهذا فهو معرّض للحساب، فلولا أنه مسؤول لما وجد الحساب، وبالتجرد عن المسؤولية الذاتية والموضوعية، يكون البشر في تعارض مع خالقه، وفي حالة إنكار لمعنى وجوده، بل ينتحر بما يقوم به من سلوكيات تجرده من أبسط معاني وجوده.
ولكي يتحرر البشر من التبعية عليه أن يقر بالمسؤولية، ويأخذ على عاتقه العمل على تحرير نفسه من قبضة المتاجرين بالدين، والخروج من كونه بضاعة في سلال المضللين الممعنين بسحقه والاستحواذ على مصيره.
فهل من قدرة على الشعور بالمسؤولية والمواجهة الحقيقية مع إرادة الحياة الإنسانية؟!!
واقرأ أيضاً:
العلم جحيم ونعيم!! / انهيار الإمبراطوريات!!