"قطز" الذي حكم مصر لأقل من سنة واحدة (1259 - 1260)، الملقب بالملك المظفر سيف الدين، اسمه قطز محمود بن ممدود بن خوارزمشاه.
ولد في (2\11\1221) ببلاد ما وراء النهرين، واغتيل بالصالحية في مصر في (24\10\1260) من قبل الظاهر بيبرس، بعد خمسين يوما من نصره الذي غيّرَ مسار التأريخ.
هو شاهد ساطع عن جوهر الأمة وحقيقة منطواها الحضاري الأبي الذي يتجدد في كل حين، فلا تتمكن منها أية قوة مهما تعاظمت وتوهمت بالسطوة والاقتدار.
فالقوة الهولاكية في حينها كانت ترعب الدول وتزعزع أركان الإمبراطوريات، وبعد ما فعلته في بغداد (1258) وباقي حواضر الدولة العباسية، توهمت بأنها بسطت نفوذها على إرادة الأمة، وباغتها (قطز) بنصره المظفر الكاسح، الذي حطم تطلعات المغول وأرداهم في مواضعهم يتخبطون، ويلعقون جراح الهزيمة القاصمة.
قطز أنقذ البشرية من أفظع عدوان غير مسبوق عليها، وكان جزاءه من أقرب قواده ومساعديه أن قتلوه، فما أرادوه أن يتكحل بلذة نصره وإنجازه المتميز الكبير.
قتله قائده الظاهر بيبرس، بخدعة لا تخطر على بال، ويُرجح أن (قطز) ربما كانت تعوزه الفطنة والخبرة القيادية في زمن اللاحرب، فهو محارب مغوار، وفارس لا يشق له غبار، لكن القيادة السياسية لها آلياتها الوسخة.
إنها أطماع النفوس السيئة التي سولت لأقرب حاشيته أن يجدوا في قتله فوزا لهم وتسنما للقيادة التي استكثروها عليه، فما استوعبوا إنجازه الأعظم في وقت قصير.
فالنفس البشرية يتسيّد عليها الأمر بالسوء، وتميل لسفك الدماء والتعبير عن العدوانية الشرسة، فقتلت القائد المنتصر (قطز)، الذي أحيا الأمة واستنهض همتها ورمم انتكاساتها المتوالية، وأنقذها من الضربة القاضية التي تعرضت لها بسقوط بغداد.
وبرغم ما جرى له بعد انتصاره الساحق في معركة عين جالوت (1260)، فهو الذي قدم شهادة على أن الأمة حية لا تموت، وأنها ولودة وتأتي بطاقات واعدة، تهزم أقوى الأعداء، وتتمسك بالقوة والخلود.
تحية للقائد (قطز) الذي رسخ فعل الأمة، وأحيا ضميرها، وأعلمها بأنها حية في قلب الدنيا، وتستمد طاقتها الخلاقة من ينابيع السماء النورانية.
فلماذا يعيش (قطز) في غياهب النسيان؟!!
اقرأ أيضاً:
لعبة مكنسة الوعي!! / الاستعمار بالفوضى!!