"إن الخليل بن أحمد كان عقله أكبر من علمه"
الخليل بن أحمد الفراهيدي عاش سبعة عقود (100-170) هجرية في البصرة، مؤسس علم العروض، وواضع أول معجم للعربية، وتتلمذ على يده سيبويه والأصمعي وغيرهم من جهابذة لغة الضاد.
ومن مؤلفاته: معجم العين، العروض، معاني الحروف، الإيقاع، النغم، النقط والتشكيل، الشواهد، وغيرها.
اعتمد التفكير أساسا لمنهجه العملي الأصيل في الاقتراب من اللغة، وتشريحها حرفيا وإيقاعيا وصوتيا، حتى صار لكل حرف من أبجدياتها خصائصه المتنوعة.
وقد بلغ ذروة العلم فكان يثمل بالأفكار، وما يتوارد إليه من إبداعات ابتكارية لغوية، ويُقال أن هذا الطوفان المعرفي سبب وفاته، إذ كان في ثمول إبداعي فصدم سارية في مسجد ومات!!
الفراهيدي ظاهرة نادرة لا تتكرر في مسيرات الأمم، تنقلها إلى آفاق مطلقة، وتفتح أمامها أبوابا كانت موصدة، فتلهب عقولها وتحفز إبداعها، وهكذا كان الفراهيدي، فبعده انتقلت لغة الضاد إلى ميادين العلم، وتحولت إلى منبع للمعارف الحضارية الثرية.
وتجدنا اليوم أمام مَن يريدون النيل من ثورته اللغوية، فيأتون بنظريات مستوردة وبموجبها يقولون أن الثورة الفراهيدية قد انطفأت وعلينا أن نتجاوزها، ونجهز على اللغة وأركانها بذريعة المعاصرة والتجديد، والتفاعل مع الزمن المُبتلى بعدم ثقتنا بأنفسنا، وتوهمنا بأن الأجنبي أفضل، وعلينا أن ننكر تراثنا المعرفي والروحي ووجودنا وذاتنا وهويتنا.
فبدلا من إظهار الثورة الفراهيدية، وإطلاق أنوارها ومشاعلها، ومناهجها العلمية الرصينة، وإعمالها للعقل وتفاعلها الجريء مع التحديات والمستجدات، تجدنا نتخذ الآخر مقياسا لأحوالنا، وعندنا الفراهيدي وأمثاله من أساطين المعارف والعلوم، الذين يجب أن يكونوا مقياسا لكينونتنا في أي زمان ومكان، لا الآخرين!!
فكم مؤلم أن يهاجم أبناء الأمة رموزها المشرقة التي أسست لوجودها العزيز!!
اقرأ أيضاً:
هل يتوجب قراءة ما تخطه الأقلام؟!! / بَجْدَةُ المَعنى!!