مجتمعاتنا لا تستثمر في قدرات عقولها المتميزة ولا بمواهب الأجيال المتنوعة، فعداء المتميزين والناجحين ديدن ساد في واقعنا المفجوع بنا.
تساءلت ذات مرة "لماذا يتفتح العربي في بلاد الآخرين ويموت في بلاده"؟!!
في السبعينيات تم ترغيب أحد البارزين في اختصاصه في اليابان، فتوهم بأنه سيخدم بلاده ويكون علما مؤثرا ومطورا لمسيرتها العلمية، ووجد نفسه تحت رحمة المعوقات والمصدات والعدوانية الشرسة، التي انتهت به إلى الألم والسأم والعدم والموت كمدا!!
ومن العلامات الواضحة المرحوم الدكتور أحمد زويل، في مصر كانت أمامه معوقات متراكمة، وعندما ذهب إلى بلد آخر برز وتطور ونال جائزة نوبل.
قبل أيام تفاعلت مع زميل يحمل مشروعا علميا تنويريا، ويعاني الأمرين من الذين حوله، لكنه يواصل بإصرار وعزيمة ذات إرادة حياة ورسالة إنسانية مطلقة، وتآزرت معه، وقال بالحرف الواحد "نمشي على الأشواك وتدمى أقدامنا، وبهذه الدماء النازفة منا نبني مستقبل أمتنا، وننور أجيالنا"!!
وأضاف: "هذا قدَرُنا"!!
وعندما نبحث في تأريخ المعارف والعلوم للأمة، نكتشف أن معظم النوابغ الأفذاذ من أبنائها، أصابهم العناء والشقاء والعداء، وبعضهم أتهموا بالكفر والزندقة، ومنهم فقهاء وعلماء لا تزال أسماؤهم مدوية في أيامنا، ويأتي في مقدمتهم ابن رشد، الذي نال من العدوان والإذلال والهوان، مما تسبب بموته مهموما مقهورا.
وهذا سبب جوهري مروع فاعل في الأجيال، يدفع بعقول الأمة لمغادرة مواطنها، فالعقول تهاجر هاربة من الاضطهاد العقلي والفكري والنفسي والبدني، الذي قد ينتهي بالقتل وفي أقبية التعذيب والتغييب.
فالأمة تنزف عقولها وقدراتها الأصيلة النادرة، ولهذا الحديث عن التقدم والتفوق، سيكون بعيدا، لأنه من صنع العقول، وقد تحقق مطاردتها وتشريدها، والنيل منها.
فلن تعود الأمة إلى الصراط الحضاري المستقيم إلا باحترامها لعقولها!!
اقرأ أيضاً:
المونديالية !! / الفوضى قراطية!!