البشرية في معترك بين منظومتين متنافرتين، تلخصان الهوة المتعاظمة بين أجيال القرنين، فأبناء القرن الحادي والعشرين لا يستوعبون منطلقات القرن العشرين، ولا يمكنهم إدراك معانيها، والعكس صحيح، لأن إيقاع القرنين يختلف، وما نعيشه حاليا يزداد سرعة وإنتاجا وابتكارا بآليات غير مسبوقة.
وما تأتي به بعض الأذهان المتميزة، تعجز عن التواصل معه أذهان القرن العشرين.
وعلى أعتاب أفول الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تجدنا في مآزق تنافرية ما بين الأجيال، فأبناء القرن الحادي والعشرين يتزايدون، وأبناء القرن العشرين يتناقصون، ولا يمكن للمتناقص أن يفرض إرادته ورؤيته على المتزايد.
والعلة أن النمطية الراسخة في الأجيال التي أصبحت دخيلة على القرن الحادي والعشرين، لا يمكنها أن تتجسد فيه، بل أصبحت مصدات وسدود أمام جريان الأجيال المتوافدة المترافدة بأفكار ووسائل وقدرات لا تعرفها أجيال القرن السابق لهذا القرن.
والأنكى أن الأجيال المتناقصة ترى أنها على صواب، وتأبى أن ترى بعيون الواقع والوضوح والإدراك السليم، وإنما تغطس في أنانيتها واستعلائها، وتحسب أنها العارفة والأدرى على قيادة مسيرة الحياة، وهي التي سفكت دم الحياة وأفرغتها من أعز ما فيها.
والواقع الأليم المغفول عنه، أن الأجيال السابقة هي التي أوصلت الحالة إلى ما هي عليه من مثالب الحضيض، وهي التي جعلت الأجيال المعاصرة تعيش محنة الخروج من حفر الوعيد.
ومع هذا فلا تزال تنكر دورها في صناعة الواقع النكيد، وتتوهم بأنها الرائدة والقادرة على ما لا تستطيع.
إن أبناء القرن العشرين مولودون من رحم الهزائم والانكسارات، وفيهم طاقات سلبية وتوجهات انتقامية لا تصلح للحياة.
وإذا أرادوا أن يساهموا في صناعة الخير لما تبقى عندهم من حياة، فعليهم أن لا يقهروا الأجيال الصاعدة، ويصمتوا إن لم يجيدوا الإسناد والتشجيع، وليتخندقوا في أنانيتهم وأوهامهم التي تجعلهم يتصورون الدنيا في قبضة أيديهم.
فأجيال القرن الحادي والعشرين، أدرى منكم وأعلم وأحلم، وأوسع اطلاعا وقدرة على التدبير والتعبير.
فهل من نظرة إنسانية واقعية للذات والموضوع؟!!
اقرأ أيضاً:
مصر قدوتنا!! / قراءتنا المنحرفة لتأريخنا!!