منذ انطلاق الدول فوق التراب، وابتداء السلطات للتحكم بالبشر، وتحول الكراسي إلى رموز للحكم والقوة والهيمنة على مصير الناس، رافقتها طوابير من المبوقين المهللين المساندين والمروجين لما تتخذه من قرارات وتقترفه من خطايا وآثام بحق الرعية.
وما خلت فترة حكم في التأريخ من داعمين ورافضين لنظام الحكم القائم، ولهذا يكون القتل مباحا للمعارضين، والتكريم والتعزيز للمساندين، وبموجب ذلك يُكتب التأريخ، وعلى قارئه أن يميز بين الحالتين.
فللكراسي أقلامها، وإعلامها المتنوع، ومعتقلاتها وقواتها التي لا ترحم.
ولهذا من الصعب أو ربما من المستحيل العثور على صوت حر في مسيرات الحكم، لأن الحالة تختصر بالقول المتداول في عصرنا أيضا وهو : "أنت معي أو أنت عدوي"!!
والمشكلة أن المعتاشين يتواجدون في كل زمان، فهم يريدون الحصول على غنائم ومكرمات من ذوي الجاه والسلطان، ولابد من التبويق لصالح الأقوى لكي ينال الشخص العطاء.
وهي مناهج مديح، أو متاجرة بالكلمات، وفي واقعنا منذ عدة قرون اعتاش الكثيرون على المديح، وخصوصا في الشعر، ويأتي في مقدمتهم زهير بن أبي سلمى، الذي أثرى بمديحه لعلية قومه وعلى رأسهم هرم بن سنان.
ويمكن القول بأن المبوقين مدّاحون، يتسولون عند قوائم الكراسي، وتجدهم مسوَّقين في العديد من المواقع ووسائل الإعلام، أما الأحرار فمحاربون ومحاصرون في زوايا حادة، والكثير من المداحين والمُغَفلين يتربصون لهم وينالون منهم، لقطع التواصل بينهم والجماهير المُستعبدة بالكراسي.
وحتى في الدول التي تسمي نفسها متقدمة وتؤمن بالحرية والكرامة الإنسانية، توجد محطات تلفزة ووسائل إعلامية كثيرة تروّج لنظام الحكم القائم وتبرر ما يقوم به، وتسعى لخداع الشعب وتكوين آراءه بموجب أجندات الكراسي الفاعلة في الدولة.
ويبدو أنه سلوك بشري مقيم تتوارثه الأجيال، ولا فرق بين المجتمعات بهذا المجال، إلا في بعض الحالات، فالبشر ميال للاستقطاب، أي أن يكون باتجاهين متقاطعين، وتلك سنة الحياة وإرادة البقاء، الذي يستدعي الصراع.
فهل للحقيقة نصير؟!!
اقرأ أيضاً:
قراءتنا المنحرفة لتأريخنا!! / قرون متناطحات!!