القولبة من القالب والمقصود بها أن تضع الرؤى والتصورات والمدركات الحسية بأنواعها في قوالب، فتعكس ما فيها على ما يدور حولنا أو يتحقق في محيطنا البيئي والحياتي.
القولبة ظاهرة سلوكية قديمة، بدأها البشر منذ أن أخذت أعداده بالتزايد، وبانطلاق المجتمعات والكينونات التفاعلية، وبدأت القولبة بالعائلة والمسميات التي تعطي فكرة عامة عن مجموعة أشخاص، فنقول بيت فلان، وعائلة فلان، ومن ثم عشيرة فلان، وقبيلة فلان، وقرية ومدينة ومحلة وزقاق ودولة وهكذا دواليك.
وفي عصر العولمة، التي من المفروض أن تحرر البشرية من نمطيات القولبة، نجد أن هذا السلوك تجسم وتجسد وصار شائعا خصوصا في وسائل الإعلام المعاصرة، التي أخذت نقولب الأشياء وتضع البشر في قوالب تشير إليهم.
وما نشاهده ونتابعه من أحداث وتطورات في وسائل الإعلام يخضع لقوانين القولبة الصارمة، ونمطيات عارمة لا يمكن الخروج عنها والنظر إليها بعين أخرى.
فإذا حصلت جريمة بشعة في مكان ما، فأن المجرم يجب أن يكون مطابقا لقالب ما، ووفقا لذلك يتم تسمية الجريمة، فبعض القوالب تعزوها لمرض عقلي، وأخرى لتأثير المخدرات، وقوالب غيرها تجدها عملا فرديا، وقوالب غيرها تضعها في خانات التطرف، وما يتصل به من مسميات ومشتقات ومعزوفات.
وجميع التوجهات تأبى أن تجد قالبا للانتحار الذي يعصف بالوجود البشري، ويخطف أرواح أكثر من مليون شخص كل عام.
وبتسارع وسائل الإعلام وتحقيق الشهرة السريعة، أصبح المنتحرون يجدون غاياتهم بالقيام بأبشع الجرائم الانتحارية، لكن البشرية تعجز عن وضعهم في قالب يتفق ومراميهم، وإنما تحشرهم فيما يحلو لها ويروق لمصالحها وآليات التسويق المربحة والمطلوبة.
وبتكرار آليات القولبة في وسائل الإعلام، تم وضع الأدمغة البشرية في قوالب وتغليفها وتعليبها، بما يحلو لصناعها ومروجي بضائعها القاسدة.
فإذا كنت من دولة عربية ومن دين الإسلام فأنك لا تصلح إلا لقالب واحد، وقالب واحد وحسب، مهما قدمت من أدلة وبراهين.
وهذا هو التعسف المعاصر، والإنحراف في التقدير والتقييم والإسهام بإخراج الجرائم من جوهرها، وإلقائها في محيط لا يعرفها ولا تعرفه، لكنها تلصق به لصقا!!
اقرأ أيضاً:
النص المعفوص!! / لغتي الجميلة!!