عند مطلع القرن الحادي والعشرين، انبرى الناس في الدول الأجنبية للتعرف على الإسلام، وكانت تُوَّجَه الأسئلة للذين على صلة بالمثقفين وأصحاب الفكر، وتهافت الناس على قراءة القرآن والاستفسار عن عباراته ومقاصده وفحواه، وكانوا يقرؤونه بتفكر وتركيز وتدقيق ويناقشون ويتساءلون، حتى وجدتنا أمام مَن يعرفون القرآن ربما أكثر من المسلم العادي مهما ادّعى المعرفة بالقرآن، ذلك أنهم يقرؤونه وهو لا يقرأه بالمعنى الحقيقي للقراءة، لأنه ما تعلم مهارات وفنون القراءة، أي أن المسلم وخصوصا العربي يجهل كيف يقرأ، وإن تلفظ العربية وكتب بها، فالقراءة شيء وترديد الكلمات شيء آخر.
فالتلاوة والترتيل والتجويد ليست قراءات بالمعنى العلمي والعملي للقراءة، وما أكثر الذين يحفظون آيات القرآن ولا يفهمون منها شيئا، ولهذا تراهم يهرولون وراء المدّعين بالدين ليضللونهم ويخدعونهم، ويوهمونهم بأن ما يقولونه هو الدين.
والعجيب في الأمر أن معظم الخطب والتصريحات والفتاوى لا تستند على القرآن، وإنما على قال فلان وذكر فلان، وعلى مدونات وكتابات وأوراق عتيقة صفراء تُجمِّد الزمن وتلغي المكان ولا يعنيها من القرآن شيئا.
فالمسلم لا يمارس الدين بقدر ما يعبّر عن التدين الطقوسي الممنهج المرسوم وفقا لآليات "قال"، ومن الصعب أن تجد خطيبا أو صاحب عمامة يتكلم في القرآن وما فيه من الآيات والتطلعات، فالسائد أن يتحدث الخطيب بما رسّخه السابقون.
ولهذا تجدنا أمام الأجنبي الذي قرأ القرآن واستخلص جوهر ما فيه من المعاني والرؤى والتصورات، وبين ما يراه من واقع لا يمت لما فيه، فتأخذه الحيرة والاستغراب، ويمضي في طرح أسئلة عن الإسلام، هل هو موجود أم موؤود، وهل أن الذي يحصل تعبير عن الإسلام الذي يتحدث عنه القرآن؟!
تلك حقيقة - سيغضب بسببها الكثيرون وينفعلون - سلوكية مروعة فاعلة في بلاد المسلمين، الذين أنكروا الدين بسلوكهم ومارسوا التدين الطقوسي الذي يأخذهم أجيالا بعد أجيال بعيدا عن حقيقة الإسلام وجوهره الإنساني، ويزيدهم جهلا بالقرآن وأمية بالعربية وإمعانا بالضلال والبهتان.
فهل من عودة إلى القرآن يا أمة اقرأ أم أن على قلوبٍ أقفالها؟!!
اقرأ أيضاً:
العبث المعاصر والفناء الحاضر!! / الكراسي والقانون!!