تبدو السلوكيات السيئة، وكأن القائمين بها لا يرونها كذلك بل الآخرين هم الذين يصفونها بالسوء.
فهل الظالم يعرف أنه يظلم؟
وهل الجائر يعلم بجوره؟
وهل الفاسد يرى أنه فاسد؟
لو علم الظالمون بأنهم يظلمون لما ارتكبوا الأفعال الموصوفة بالظلم، بل يحسبون أنفسهم من أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، والذين يتهمونهم بالظلم أعداؤهم، ولابد من نيلهم القصاص العادل.
فالذي يقوم بفعلٍ ما، يبرره لنفسه، فالنفس الأمّارة بالسوء لها آلياتها الدفاعية، القادرة على تسويغ أي سلوك وتحبيبه للقائم به، فلا يراه كما يراه الناس من حوله.
فالقاتل على سبيل المثال، يكون غاضبا على الضحية، ويرى أنها هي التي دعته لقتلها.
والذين يقترفون جرائم كبرى ويمعنون بالظلم والقهر للآخرين يحسبون ذلك قدرهم، وأنهم مسلطون عليهم بإرادة رب العالمين.
وهذا ما قام به هولاكو فبرر قتل عشرات الآلاف من البغداديين، بذريعة أنه غضب الله المسلط عليهم لعدم التزامهم بدينهم، فهو ينفذ إرادة الرب، وغير مسؤول عما يقع عليهم من إثم وعدوان مروّع.
وعلى هذا المنوال تجري تصرفات السلاطين والحكام، وذوي الكراسي المتنفذة وأصحاب الشأن.
وتلك معضلة محيرة، وبموجبها لا يمكن لسلوك السوء أن ينتهي، ولا للعدل أن يُقام، ومهما حاولت الرسالات السماوية والدنيوية أن تهذب النفس، وتساعدها على السيطرة على ذاتها، فأنها فشلت فشلا ذريعا.
ولهذا وُجدت الدساتير والقوانين، واتجهت العديد من المجتمعات إلى العمل على منع تمركز القوة عند شخص واحد، وأوجدت عدة أركان شرعية ودستورية ، لتمنع إشكاليات السلوك البشري المنفلت.
وهيهات أن يكون "العدل أساس الملك"، وسيبقى شعارا معلقا خلف مكاتب الظالمين إلى يوم الدين!!
و"سيعلم الظالمون أي منقلب سينقلبون"!!
واقرأ أيضا:
الأحزاب الكرسوية!! / المثالية في العمل!!