البدانة بسبب العقاقير Drug Induced Obesity :
كثيرةٌ هي العقاقير التي يسببُ استخدامها لفترةٍ طويلةٍ زيادةَ وزن الجسد؛ فمثلا تنتجُ البدانةُ عن الاستخدام المزمن لعقاقير الكورتيزون المختلفة، وكذلك مضادات الهيستامين التي تستخدمُ في علاج الحساسية أو في غير ذلك بصورةٍ مزمنة، كما أن الاستخدام الطويل الأمد لأقراص منع الحمل على اختلاف أنواعها ولبعض أدوية علاج مرض السكر مثل مجموعة السالفونيل يوريا Sulfonylurea ، وكذلك استخدام الإنسولين بجرعات أعلى من المطلوب كل ذلك يسببُ البدانة عند البعض، وما تزال القائمةُ تحوي الكثير من أصناف العقاقير المختلفة (Schwarz , 2002).
إلا أن ما يهمني بشكل خاصٍ هنا هو العقاقير العلاجية النفسية مثل مضادات الاكتئاب؛ خاصةً مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة Tricyclic Antidepressant Drugs ومجموعة مثبطات مؤكسد أحادي الأمين (أو مجموعة الممامين اختصارًا) Monoamine Oxidase Inhibitors MAOIs وكذلك مضادات الذهان Anti-Psychotic Drugs سواءً المجموعات القديمة أو الحديثة منها، وإن كانَت العقاقير الحديثةُ أكثرُ إظهارًا لهذا الأثر الجانبي.
فالمرضى اللذين يتناولون عقار الكلوزابين Clozapine أو عقار الأولانزابين Olanzapine أو عقار الريسبردون Risperidone أو عقار الزيبراسيدون Ziprasidone تزيدُ أوزانهم بصورةٍ مقلقةٍ بحق، وإن كان العقار الأخير أقلّهم في ذلك، بينما العقار الأول أكثرهم إحداثًا للبدانة (Frye et al.,1998) و(Allison et al,1999) و(Wurtman et al.,2002).
وليست البدانة الناتجة عن الاستخدام المزمن للعقاقير العلاجية النفسية مفهومةَ الأسباب بشكلٍ كاملٍ حتى يومنا، بالرغم من ملاحظة حدوثها في السنين المبكرة لاكتشاف هذه العقاقير (Klett & Caffey,1960) و(Holden & Holden,1970)، هذا وإن كانَت أصابع الاتهام تحوم حول تأثيرها المثبط لمستقبلات السيروتونين الدماغية Serotonin Receptors Blockade ؛ لأن تأثير السيروتونين على هذه المستقبلات يشعرنا بالشبع، وتثبيطها بالتالي يحرمنا من ذلك الشعور، وفي هذه الحالات يجب على الطبيبِ النفسي أن ينبِّه المريض إلى ضرورة عدم الغفلة والالتزام بالتريُّض ومقاومة الأكل لحد الامتلاء.
وقد أجريت محاولات حميةٍ غذائيةٍ تعتمد على تقليل البروتينات والإكثار من السكريات لتزيد من مستويات السيروتونين الدماغية وقد بينت دراسةٌ حديثةٌ (Frye et al.,1998) نجاح مثل هذه الحمية في تقليل الوزن على المدى القصير دونَ أن يتعارضَ ذلك مع الأثر العلاجي للعقار.
وهناكَ من يرجعونَ سبب البدانة مع استخدام مضادات الذهان إلى تأثيرها المثبط للدوبامين والذي يؤدي إلى زيادةٍ مستمرةٍ في هرمون البرولاكتين، فرغم أن هذا الهرمون يثبط الشهية كما ذكرنا من قبل، إلا أن زيادته المستمرة في غير الأم المرضعة تؤدي بعد فترةٍ طويلة إلى إحداث اختلالات في الهرمونات المنسلية وهرمونات الغدة الكظرية Gonadal-Adrenal Steroids كما يمكنُ أن يغير من حساسية الجسد للأنسولين.
إلا أن كونَ حدوث البدانة مع استخدام مضادات الذهان الحديثة وخاصةً تلك التي لا تسببُ زيادةً مستمرةً في البرولاكتين يجعلُ هذا الافتراض أضعفَ من الافتراض الذي يختص بتثبيط مستقبلات السيروتونين (Dickson & Glazer,1999).
وقد يكونُ السببُ في حدوث البدانة هو تثبيط الهيستامين حيثُ تشتركُ في هذا الفعل مضادات الذهان القديمة والحديثة (Bymaster et al.,1999). وهناكَ من يرجعونَ السبب إلى تأثير مضادات الذهان الحديثة كالكلوزابين والأولانزابين على مستوى النحيفين (الليبتين) (Kraus et al.,1999)، وكذلك تأثير حمض الفالبوريك على مستوى النحيفين (Verotti et al.,1999) في مرضى التشنجات.
إلا أن الأسباب الأكيدةَ ما تزالُ غير واضحة، وليس أمام المرضى المحتاجين للعلاج الصائن Maitenance Therapy باستخدام مضادات الذهان الحديثة غير محاولات تغيير عادات الأكل مع البرامج المعرفية السلوكية، والتي يؤكد مطبقوها على ضرورة إيجاد عقاقير علاجية أفضل وأقل إحداثًا للبدانة؛ لأن النتائج حتى الآن غير مرضية (Centorrino, et al., 2006).
وأما أكثر الآثار الجانبية المتأخرة الظهور للعقاقير النفسية إيلامًا للمرضى، وأكثرها مفاجأة أيضًا لنا كأطباء نفسيين؛ فهو ما لم يكن متوقعًا من أن تنتج زيادة في وزن الجسد، بسبب التزام مرضى الوسواس أو الاكتئاب بعقاقيرهم من مجموعة الم.ا.س.ا، وهذا الأثر لا يبدأ في الظهور قبل شهور طويلة من العلاج وربما بعد أكثر من سنة، ورغم زيادة الوزن على المدى البعيد من الاستمرار على أيٍّ من مضادات الاكتئاب الثلاثي الحلقة بما فيها الماس أو الكلوميبرامين، إلا أن ذلك لم يكن واردًا في الأذهان مع أي من مجموعة الماسا التي اشتهرت وجربت حتى كمساعد على تطبيق برامج الحمية المنحفة؛ ذلك أنه لما كان من المعروف أن زيادةَ السيروتونين المتاح في المشابك العصبية تعطي الإحساس بالشبع فقد جربت بعضُ عقاقير الاكتئاب من مجموعة الم.ا.س.ا SSRIs (مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية)، ولكنها لم تعط نتائجَ يُعْتَدُّ بها في أغلب الحالات رغم ما تسببه من تثبيطٍ للشهية في بداية استخدامها، لم يكن متوقعًا إذن أن تكون عقاقير الماسا نفسها مثلها مثل عقاقير علاج الاكتئاب كلها تسبب زيادة في الوزن تختلف من شخص لشخص بطبيعة الحال (Hirschfeld, 2003).
ومن بين العقاقير النفسية الأخرى التي تسببُ زيادةَ الوزن أيضًا مجموعة مثبتات المزاج Mood Stabilizers ؛ سواءً القديمة منها كعقار الليثيوم (والذي يسبب زيادةً في الأنسجة اللحمية بعد استخدامه لفترة طويلة مثلما يحدثُ دائمًا)، أو الحديثة كمضادات التشنجات على اختلاف أنواعها كحمض الفالبوريك Valproic Acid ، اللهم إلا بعض العقاقير الحديثة (Gordon& Price,1999)؛ مثل التوبيراميت Topiramate الذي يسببُ فقدًا لا زيادةً في الوزن!
ولكن الآلية التي يحدثُ بها ذلك وكذلك آلية زيادة الوزن مع العقاقير الأخرى ما تزال غير مفهومةٍ بشكل كامل، كما أن من المهم التأكيدُ على أن زيادة الوزن هذه ليست أمرًا أكيد الحدوث ولا تحدثُ بنفس المعدل عند كل ما يستمرون على العقار النفسي، وكثيرًا ما لا نراها خاصةً مع العقاقير القديمة لعلاج الاكتئاب والذهان، لكن تنبيه المريض إلى إمكانية حدوث ذلك واجبة على الطبيب، والحقيقةُ أن على الطبيب النفساني ومريضه في كل الحالات الانتباه إلى ضرورة موازنة الفائدةِ المرجوة من الاستمرار على العقار مع الأضرار التي قد تنتجُ عنه.
المراجع:
1) Schwarz , S. (2002): Obesity from Pediatrics. eMedicine Journal, March 15 2002, Volume 3, Number 3
2) Frye MA, Ketter TA, Altshuler LL, Denicoff K, Dunn RT, Kimbrell TA, and others. (1998): Clozapine in bipolar disorder: treatment implications for other atypical antipsychotics. J Affect Disord 1998;48:91–104.
3) Allison DB, Mentore JL, Heo M, Chandler LP, Cappelleri JC, Infante MC and others. (1999): Antipsychotic-induced weight gain: a comprehensive research synthesis. Am J Psychiatry 1999;156:1686–96.
4) Wurtman, J.J. , McDermott, J.M. , Levendusky, M.A. , Duca, K.and Wurtman, R. (2002): The Effect of a Novel Dietary Intervention on Weight Loss in Psychotropic Drug-Induced Obesity. Psychopharmacology Bulletin. 2002;36(3):55-59
5) Klett CJ, & Caffey EM Jr.(1960): Weight changes during treatment with phenothiazine derivatives. J Neuropsychiatry 2:102–8.
6) Holden JMC & Holden UP. (1970): Weight changes with schizophrenic psychosis and psychotropic drug therapy. Psychosomatics 1970;11:551–61
7) Dickson RA,& Glazer WM. (1999): Neuroleptic-induced hyperprolactinemia. Schizophr Res 1;35(Suppl):S75–86.
8) Bymaster FP, Nelson DL, DeLapp NW, Falcone JF, and others (1999): Antagonism by olanzapine of dopamine D1, serotonin2, muscarinic, histamine H1 and alpha 1-adrenergic receptors in vitro. Schizophr Res 1999;37:107–22.
9) Kraus T, Haack M, Schuld A, Hinze-Selch D, Kühn M, Uhr M, and others (1999): Body weight and leptin plasma levels during treatment with antipsychotic drugs. Am J Psychiatry 1999;156:312–4.
10) Verotti A, Basciani F, Morresi S, de Martino M, Morgese G, Chiarelli F. (1999): Serum leptin changes in epileptic patients who gain weight after therapy with valproic acid. Neurology 1999;53:230–2.
11) Centorrino F., Wurtman J.J., Duca K.A, Fellman V.H., Fogarty K.V. et al., (2006): Weight loss in overweight patients maintained on atypical antipsychotic agents. International Journal of Obesity advance online publication 24 January 2006;
12) Hirschfeld, R.M (2003): Long-Term Side Effects of SSRIs: Sexual Dysfunction and Weight Gain. J Clin Psychiatry 2003;64 (suppl 18)
13) Gordon A,& Price LH. (1999): Mood stabilization and weight loss with topiramate. Am J Psychiatry 1999;156:968–9.
ويتبع ......: البدانة بسبب العقاقير مشاركة
واقرأ أيضاً:
ما هيَ صناعةُ التنحيف Dieting Industry؟ / هل البدانة مرض؟ / الحمية المنحفة في الأطفال والمراهقين