(إلى شهداء التحرير ومحمد محمود، إلى أمل دنقل الذي علّمنا كيف نصوغ الحرف)
خَرجَ الخواجة من المتحفِ المصريِّ منتشياً
رافعاً القـُبّعة
لم يدرِ، إن كان يرفعها للمومياءات المُمدّدة
أم لمن دَهَسَ الفَتى بالمُدرّعة
أم للراسمين في الميدانِ
أماكن الثوار، وحدود الأمكنة
لذهنيةِ التحرير المُضَمَّخة
بالدّمِ والأعلامِ المرفرفة
أم أنه الخواجة
قد رفعَ القـُبّعة
في واشنطن
واتحادِّه الأوروبي
وقمـُة الثمانية
أم أنه أدركَ المسْألة
فظلَّ رافعاً القـُبّعة
للمجلس العسْكريِّ
ومجلس الوزراء
النائم في الأروقة
أم للقادم المجهول
"الذي لا يحتاج إلى هندسة"
هكذا قال الجرافيتي
على جدرانِ البستان
ومحمد محمود
ونوافذ البيوت المحطمة
صورة صائدِ العيون
القميء اللقيط
ابن الليل الدنسِ
ذا النفس الممزقة
صرخ الضابطُ المتمّرسُ على القتلِ
والسحلِ والغطرسَة
يفِّحُّ بعجزِ ليلته المدَّنسة
"ليتني ما كنتُ أنا"
الضابطُ المتوّرمُ الأنا والخدّين
والمِقعدة
تنتفخ معدتـُه القميئة
على تطاير الجماجمِ كالحمائمِ
ورائحة الجُثث المُبعثرة
فوق قارعة الطريق
يلقيها الجُندُ في المزبلة
آه لو يدرون ما الجُثةَّ
وما المزبلة
الضابطُ والعسكريُّ
وكلابُ الحيِّ في المنطقة
تطارد الثوار
خلف الدخان
والسماوات السبع
وسدرة المُنتهى
تتكون للرجال أجنحة
كما للطيور في الفضاءِ أجنحة
يسحبون بها الغاز والقـُنبلة
يطيرون بها للهِ في الأعالي
يحملون بين جنباتهم
بأسَ النهار
وهدأة الكرى
يقولون فيما مَضى
الوليُّ ليس مسئولاً
عمَّن يزوره في الاضرحة
رفع الخواجة القُبَّعة
أحْكمَ الجنديّ المركزيّ الخوذةَ
واستأسد في الموقعة
المجلس ليس ممثلاً للقوات المسلحة
والتحرير رمزٌ لأطياف النجوع والقرى
ومن تزوجت عرفياً
لا يتم طلاقها في المحكمة
أفلست خزائنكم..لستم شركاءنا
ولا حماة ثورتنا
لأن رفقة السلاح لا تنكر الجميل
ولا تذبح البقرة الضاحكة
اللعبةُ تفشخُ ضبَّتها
تطارد الفاسد اللعنة
في قبره وحياته طولَ المدى
سئمناكم وسط المدينة
تكشفون عذراواتنا الطاهرات
وتتركون العاهرات السائرات نياماً
تحت رؤوس الجسور المُعلقة
الثعلب فات
وستُّ البنات
جاءت
وجاءتها ذات الرداءِ الأحمرْ
بشالٍ أخضرْ
وجمجمة
قالت لها اشربي دمَ أخيك
فأبَت
وشربتهُ مذيعةُ التلفاز
ليظهر على الشاشة بين أسنانها
نجوماً على الكتفِ مُرصّعة
سئمنا حيلَكم
وألعابكم النارية المُفبركة
طائراتكم ومخابراتكم
مؤتمراتكم وتصريحاتكم
وعنجهيتكم المفزعة
لم يرفع الخواجة القبعة
لكل فئران طرة
مشاهداً حسني يتمشّى
دون سريرٍ طبيَ
أو طائرة
يملأ المكان قهقهة
يهمس بفحيح أفعى
آمراً زمر البلطجية
يضحك ضحكة رقيعة
يتثنى لها إسرائيليٌ في رفح وغزة
رام الله والقدس العتيقة
وترقص لها في تل أبيب
امرأة
تدفأت في زمن العُهر
بغازنا
وعظامِ أولادنا
وقوداً في المدفأة
رفع الخواجة القبعة
مهيمناً على كل الأجهزة
ورغم كل الأحاجي والصناديق المُغلقة
ظهرت بشائرنا تلوح في الشرفات
على السطوح
وحبال الغسيل
وطوابير الخبز والملح المُجهدة
يجتمع دمُ الحيضِ والولادة
دم الطهورِ والدخلة
نزيف المصاب والشهيد
يقطع الحبل السريَّ المريض
ويقتل الأجنة المشوهة
رفع الخواجة القبعة
احتضنت اللحية وجه القسِّ والشيخ
والعذراء .. ووجه المحجبة
ارتفع الآذان مجلجلاً في المئذنة
تدق أجراس القداس
تحيّي مينا وخالد
الثكلي والمكلومة والأرملة
وكلُّ من رصعت أجسادهم
صدر الوطن
والمشرحة
يا وتراً في القلب
يعزف عليه الوطن
هنا ... في الميادين، في التحرير
تحدد البوصلة
إتجاهها نحو البلد
آه يا قيثارةَ الزمن البطيئ
يا عصب الذاكرة
أنظري عبر الميدان
انظري لجرحاه وأطبائه الملائكة
الناس ينتظمون
كعقد اللؤلؤ
كحبّات المسبحة
تفتح الأرض مسامّها
تتلقحُ من جديد
بمخاضِ ولادة متعسِّرة
لن تكون قيصرية
الوليد عنيد
توضأ بالدم والتحف بالمشيمةِ المُضمدَّة
وهللَّ خارجاً من الرحم
من الخاصرة..
محيياً السويس
والقائد ابراهيم
المحلة الكبرى
والقاهرة
هنا القاهرة
مجدُ الماضي والحاضر
مستقبل الأمة الآسرة
هنا القاهرة
مجدُ الأشياء
الباطنة والظاهرة
وتبقى عند انبلاج الفجر
تلك الرائحة
زكيةٌ كالفاكهة
كصدرِ عذراء
وقلب شهيد
بإماراته الساحرة
يرفع الخواجة القبعة
فلا يَرى ولا يُرى
ينسدلُ الستار
ويبدأ النهار
الإتجاه هنا
السير هنا
والأرض هنا
أمرُ السلاح والضبط والربط
في أرض الوغي والمعركة
غيره في البيت والغيط
هنا تختلف المسألة
مهمتكم حدودنا
حُكمنا صنعتُنا وكارنا
وليس بمعضلة
ما بيننا وبينكم
خطُّ الثكنة
ودولة المؤسسة
لنا الحقل والمصنع
المعمل والمدرسة
رفع الخواجة القبعة
مضي في ظلمة الليل
وصحونا كلنا في الضُحى
نجمع الجمرات والزنابق
في أكفنا الدامية
نتنشق عطر الرصاصِ
والاختلاف
ونتذوق طعم السنبلة
27 نوفمبر 2011
واقرأ أيضا:
طنجة الملفات الحساسة / شادي عبد الموجود / البغل والعربجي.. والعربة الكارو..! (2)