تزوجته ضد رغبة أهلها وظنت أنه فارس احلامها ولكنها فوجئت به يهملها ويسئ معاملتها فكانت تجلس وحدها تبكي معظم الوقت ولا تستطيع الشكوى لأحد لأن الجميع نصحوها بعدم الارتباط به، وما هي ألا شهور قليلة حتى حدث الحمل فعانت من أعراض الحمل أضعاف ما تعاني أي امرأة أخرى من غثيان وقيء وعدم رغبة في أي شيء، بل وفكرت في التخلص من الجنين ولكن خوفها من الله منعها من ذلك؛
فاستسلمت حتى اكتمل الحمل ووضعت طفلاً جميلاً فرحت به في أول الأمر على أمل أن يعوضها هذه التعاسة التي تعيشها وأن يؤنس وحدتها بعد أن أهملها زوجها وهجرها أهلها، ولكن بعد حوالي أسبوعين من الولادة لاحظت أم زوجها أنها أصبحت منطوية على نفسها أكثر من ذي قبل وأنها تبكي كثيراً وتهمل طفلها ليس هذا فقط بل أنها تنظر إليه نظرات غريبة وتتعامل معه بقسوة وأحياناً تقول إنه ليس ابني!!
وتهمهم بكلمات أخرى غريبة ثم امتنعت عن الطعام والشراب وأصبحت لا تنام، وعندما زارها أهلها أحسوا أنها تبدلت تماماً وكأنها ليست ابنتهم التي يعرفونها فقرروا أن يأخذوها لأحد المشايخ ظناً منهم بأن الجن قد تلبسها... ولكن حالتها كانت تزداد سوءاً. وفي يوم من الأيام دخلت أم زوجها لتطمئن عليها فوجدتها ممسكة بسكين تحاول أن تذبح طفلها، فانتزعته منها بسرعة وانطلقت خارج الشقة، فى حين ظلت الأخرى تطعن نفسها بالسكين، ولكن الجيران حضروا على الصراخ فأنقذوها وأحضروها للعلاج.
0التعليق على الحالة :
هذه الحالة نموذج لحالة تسمى" ذهان ما بعد الولادة " وهي تحدث بعد الولادة بعدة أيام وأحياناً بعدة أسابيع حيث تتغير الحالة المزاجية للأم فتصبح أكثر ميلاً للاكتئاب والبكاء وتفقد الشهية للطعام والرغبة في النوم، وتفقد الاهتمام بطفلها وتراودها أفكار غريبة نحوه تتحول أحياناً إلى رغبة فى التخلص منه إما لأنها تراه غريباً عليها ولا تتحمل رؤيته وإما لأنها تشعر أنها تعيسة وأن الحياة كلها تعاسة لذلك تريد أن تريح هذا الطفل البرىء من التعاسة التي تنتظره في الحياة.
وفي هذه المريضة بوضع خاص نجد أنها عانت من حالة أكتئاب قبل حدوث الحمل واستمر هذا الاكتئاب طوال فترة الحمل وزادت حدته كثيراً بعد الولادة وذلك نظراً للظروف السيئة التى تعيشها فزوجها يهملها وأهلها يعاقبونها بالهجر على اختيارها السيئ لذلك أغلقت بابها عليها واختزنت أحزانها حتى وصلت إلى هذه الحالة،ويضاف إلى حالة الاكتئاب هذه ما يحدث بعد الولادة من تغيرات هرمونية وكيميائية داخل الجسم عموماً وداخل المخ على وجه الخصوص بالإضافة إلى إرهاق الولادة وقلة النوم بسبب احتياجات الطفل الملحة.
وعلى الرغم من هذه الأعراض الشديدة إلا أن تلك الحالة تستجيب للعلاج وتتحسن بسرعة بشرط اكتشافها المبكر قبل أن تحدث مضاعفات كما رأينا، والعلاج يتلخص فى استخدام مضادات اكتئاب مع مضادات ذهان بجرعات محددة، وأحياناً تستخدم جلسات تنظيم إيقاع المخ فى الحالات الشديدة خاصة المصحوبة برغبة فى الانتحار أو قتل الطفل، ولا ننسى أن نوقف الرضاعة لأن الدواء ينزل مع اللبن، ومن المهم أيضاً أن نأخذ الطفل من أمه ليقوم برعايته أحد الأقارب بشرط أن يكون قريباً من الأم لكي تراه من وقت لآخر ولكن لا نتركه لها حتى تشفى تماماً .
وبجانب العلاج الدوائى نعمل على تدعيم المريضة نفسياً حتى تستطيع الخروج من أزمتها، وأن تهئ الجو من حولها فمثلاً فى هذه الحالة يجب أن نعقد جلسات مع الزوج ومع الأقارب لكي يغيروا من أسلوب تعاملهم مع المريضة فى المستقبل حتى لا يحدث ما حدث مرة أخرى وتظل هذه المريضة تحت المتابعة لمدة لا تقل عن ستة شهور، ونتابعها بعد الولادة المستقبلية لأنه يكون هناك احتمال لعودة الأعراض –بعضها أو كلها– بعد أي ولادة أخرى.
واقرأ أيضًا:
الاضطرابات النفسية بعد الولادة / الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة / خلطة اكتئاب وقلق تالية للولادة / الذهان النفاسي أو ذهان النفاس Puerperal Psychosis