الطفل البَكاء (الدكتاتور الصغير)
هو الطفل الأول والوحيد جاءنا بعد اشتياق حيث مكثت مدة تزيد على 4 سنوات بدون حمل، ولما رزقني الله به كان هو كل شيء في حياتي وحياة أبيه بل وحياة العائلة كلها ……تركت وظيفتي من أجل التفرغ لتربيته…ليلي ونهاري ملك له……
كل طلباته مجابة، نسيت كل شيء من أجله، كلما أراد شيئا يصرخ وإذا تأخرت عنه ولو دقيقة يضرب رأسه في الجدار أو في الأرض رغم أن عمره الآن سنتان والمفروض أن يقل بكاؤه في هذا السن كما رأيت في أطفال العائلة الذين هم في مثل قبل سنه……
والمشكلة الأكبر تكون في الليل حيث يظل مستيقظا يريدني أنا وأبيه أن نلاعبه طول الوقت فإذا غلبنا التعب وأردنا أن ننام يبكي ويصرخ ويجري فوق السرير حتى نستيقظ وإذا نام بعد عناء طويل فإنه سرعان ما يصحوا على بكاء شديد وصراخ مستمر فأحمله أنا أو يحمله أبوه ونظل ندور به في الشقة حتى يهدأ.
وفى الأسبوع الأخير زاد بكاؤه أثناء الليل لدرجة أننا لم نعد ننام، هذا بالإضافة إلى بكائه المستمر أثناء النهار وإصراره على أن أحمله طول الوقت رغم أن بقية الأطفال يمرحون ويلعبون من حوله. وفي الحقيقة رغم حبي الشديد له إلا أنني ضقت به ذرعاً، وأحياناً أفقد سيطرتي على أعصابي وأضربه، ولكنني أشعر بالذنب وأبكي وأحمله بين ذراعي حتى يهدأ أو أهدأ أنا، وقد عرضته على أكثر من طبيب أطفال لعل يكون هناك شيء يؤلمه فأجمعوا كلهم أنه سليم تماماً من الناحية العضوية وأشاروا عليّ بعرضه على طبيب نفسي.
بالمناسبة أنا أذكر أنه كان أيضاً كثير الحركة وهو جنين ولكنني كنت أفسر ذلك بأنه استجابة لحالتي النفسية السيئة في ذلك الوقت بسبب ضغوط نفسية تعرضت لها، أو لأنني أنا نفسي عصبية، وللعلم أبوه أيضاً عصبي جداً وصوتنا دائماً مرتفع ونثور أنا وهو لأتفه الأسباب.
التعليق على الحالة:
هذا الطفل عرف طعم القلق والاضطراب وهو ما يزال جنيناً في بطن أمه حيث كانت أمه مضطربة نفسياً وكان هذا الاضطراب يصله في صورة زيادة في الادرينالين والكورتيزول ومواد كيميائية أخرى، وحين وُلد عاش بين أبوين عصبيين ثائرين أغلب الوقت ولأتفه الأسباب فوصلته رسالة مؤكدة مفادها أن الحياة غير آمنة وأنها في حالة صخب وثورة دائمين، ولكن مع هذا وجد الجميع يحملونه ويدللونه ويلاعبونه طول الوقت فأصبح يشعر بالأمان فقط حين يكون محط الاهتمام والرعاية، وينزعج جداً حين تغمض عنه العيون أو يبتعد عن دائرة الاهتمام ولو لحظة.
وقد تعلم من خلال تجاربه البسيطة أن البكاء يستدعي اهتمام الجميع وخاصة الأم لذلك أصبح البكاء هو سلاحه الوحيد للسيطرة على البيئة من حوله ولإشباع حاجاته النرجسية في أن يظل محور الاهتمام طول الوقت وكأنه هو مركز الكون والكل يدور من حوله.
وقد أعطى له البكاء شعورا بالقدرة والسيطرة على من حوله أي أنه أصبح دكتاتوراً مستبداً يتحكم في أمه وأبيه طول الوقت ويريد منهم الإذعان لاحتياجاته وأن لا تغفل أعينهم عنه لحظة. وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه يشعر أن أمه تشعر بالذنب حين تحاول أن تهمله أو تضربه ولذلك فهو يبتز مشاعرها طول الوقت ويدعها في حيرة بين تلبية كل مطالبه وبين الضيق والضجر من سلوكه المزعج وتكون النتيجة تراكم مشاعر متناقضة داخل الأم نحو هذا الطفل المشكلة.
والعلاج يبدأ من الأم التي يجب أن تتعلم السيطرة على مشاعرها بحيث تتمكن من أن تمارس نوعاً من الحزم الطيب مع هذا الطفل المزعج وتعرف أنها ليست مطالبة بالضرورة أن تلبي كل احتياجاته طول الوقت، وتستطيع أن تهمل بكاءه معظم الوقت دون أن تشعر بالذنب أو تكون في حالة صراع، ومع الوقت سيتعلم الطفل أن البكاء سلاح لا يجدي. إضافة إلى ذلك يجب أن يسود البيت جو من الهدوء والطمأنينة ليشعر الطفل بالأمان، وهذا يتطلب أن يراجع الأبوين قلقهما ومخاوفهما ويتغلبان عليهما، وأن يتعلما التحاور في هدوء وأن تكون استجاباتهما للأحداث هادئة ومنطقية، عندئذ يشعر الطفل بالأمان ويصبح قادرا على أن يترك حضن أمه وينطلق ليلعب مع رفاقه مثل باقي الأطفال، وإلى أن تتحقق هذه الأهداف يمكن إعطاء الطفل جرعات صغيرة جداً من أي مهدأ بسيط حتى يتمكن من النوم ليلاً ويعطى فرصة لأبويه ليأخذا قسطهما من الراحة.
واقرأ أيضًا على مجانين:
فن المذاكرة / قلق الامتحانات / الثانوية العامة .... مرحلة دراسية أم أزمة نمو ؟