هبة رؤوف: هذا دور المرأة في الإصلاح.. وأربي أولادي على الانفتاح والتمسك بالجذور
د. هبة رؤوف: لست راضية عن وضع المرأة
د. هبة رؤوف: قتل الشرف ليس من الدين و....
في الحلقة الأخيرة من حوار المفكرة الإسلامية الدكتورة هبة رؤوف عزت حدثتنا عن رؤيتها لدور المرأة في الإصلاح، وما يمكن أن تقوم به من أفعال صغيرة ذات آثار كبيرة، كما تتحدث عن خطر العولمة وأثرها على الأسرة، وتطالب بمقاطعة التكنولوجيا يوماً في الأسبوع لاستعادة التواصل الإنساني المفتقد، وتدعو للقضاء على البطالة والفقر، حيث تعتبرهما بيئة مواتية للخلل الذي تعانيه مجتمعاتنا العربية.. كما تتناول حرية الفكر والعديد من القضايا المهمة فإلى الحوار:
* كيف يمكن للمرأة البسيطة العادية أن تشارك في الإصلاح والتغيير نحو الأفضل في مجتمعها؟
ـ من خلال دعم الواجبات في المجتمع البسيط، وعلى المرأة أن تنظر حولها وتبحث عما يمكنها أن تفعله خلال مجتمعها حتى المستوى المجتمع وليس المعنى هو المشاركة السياسية فقط أو المشاركة على مستوى المجتمع ككل بل يمكنها المساهمة في إصلاح وتطوير مجتمعها المحيط بها، فتبحث عن المحتاجين حولها مثلاً والفئات المحتاجة لدعم، وكل واحدة وفق ظروفها وقدرتها، وهذا يمكن لأي امرأة أن تفعله، فلكل امرأة قدرات وإمكانات مختلفة من امرأة لأخرى.
* ما سبب تراجع قيم حقوق الإنسان في العالم العربي؟
ـ بسبب بطش الأنظمة العربية ونقص خطاب حقوق الإنسان في إفهام الناس مفاهيم واضحة يسهل على المواطنين العاديين فهمها، وللأسف هناك مفهوم شائع أن معاني ومفاهيم حقوق الإنسان أصلها غربي، وأنها ليست لدينا في تاريخنا، وهو مفهوم مشوش وغير واضح لدي الكثيرين، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الحركة الإسلامية هي الوحيدة القادرة على توصيل المفهوم، فحتى منظمات حقوق الإنسان تستخدم مفاهيم صعبة ومعقدة يصعب على المواطن البسيط فهمها، في حين أن حقوق الإنسان جزء من مقاصد الشريعة الإسلامية والحفاظ على كرامة الإنسان مهما كان دينه وجنسه، والمأزق القائم هو تخريج هذه المعاني والمفاهيم وتوصيلها للناس، وتوضيح أنها تكليف شرعي للناس جميعاً.
أفعال صغيرة وأصداء كبيرة
* فيما يتعلق بمواجهة هيمنة الغرب، ذكرتِ من قبل أن الأفعال الصغيرة قد تكون أوسع صدى من الأفعال الكبيرة.. فكيف هذا؟ وكيف يمكن للإنسان العادي أن يواجه التمييز وعدم احترام الإنسان؟
- مثل فكرة المقاطعة، الناس عملت قوائم بأسماء البضائع الأجنبية التي يجب مقاطعتها وهذا بشكل فردي وليس من خلال تنظيمات كبيرة، وفي كل لحظة هناك حركات وأفكار قادرة على إحداث تغيير، وهذا لا يلغي النضال القومي من أجل القضايا الكبيرة مثل حل قضية فلسطين.
* أسست مجموعة ثقافية في عام 1994 باسم الجنوب مهتمة بثقافة دول الجنوب وحضارتها.. فهل الاهتمام بدول الجنوب سبيل لمناهضة العولمة والهيمنة التي تفرضها دول الشمال على العالم؟
ـ نعم، فقد غفلنا كثيراً عن وسيلة أخرى للدفاع عن قضايانا فهناك دول من الجنوب تتشابه معنا في التاريخ ولها معركتها مع الرأسمالية والهيمنة الغربية، وليست من المسلمين فقط بل يمكن التعاون مع دول الجنوب ممن لها تاريخ مشابه لتاريخنا، فالدول الغربية يحك تعاملاتها المصالح وتقع تحت سيطرة اليهود، في حين لنا مصالح مشتركة مع دول أخرى كثيرة ولنا معها صفات مشتركة، ويمكن اعتبارهم حلفاء للعالم الإسلامي خارجه.
* ذكرت من قبل في أحد الحوارات أن الحركات الثقافية أو المجموعات المدنية لها دور في الحراك السياسي والديمقراطي.. فكيف هذا؟
- تشارك هذه المجموعات والحركات الثقافية في وضع صيغة للعمل على إصلاح المجتمع، وتربيط جميع المستويات المختلفة في المجتمع على المستوى السياسي والاجتماعي وجميع المستويات الأخرى، وكلها مكملة للعمل السياسي والمهم أن تعمل كلها في إطار من التمديد الإسلامي لإحياء المجتمع الإسلامي كهدف أوسع، بناء على أنه لا أحد يحقق هدفاً مجتمعياً بمفرده فالكل لابد أن يعمل من أجل تحقيق الهدف المنشود.
* ما رأيك فيما يُقال من أن النخبة المثقفة في بلادنا العربية ضحايا تناقض ازدواج الشخصية، بمعني أنه يكون شخصية في البيت ونقيضها في الحياة والمجتمع.. بمعنى انفصال الوعي عن اللاوعي كما يقول البعض؟
ـ هذا صحيح في بعض الأحيان، وهذا لا يرتبط بالفئة المثقفة فقط وإنما ينطبق على جميع الأفراد في المجتمع، فالشخص قد تكون له حسابات أخرى في علاقاته بالآخرين أو بالمجتمع فيكون شخصية أخرى غير حقيقته.
* ما رأيك في الدعوة إلى إراقة دماء بعض الكتاب والباحثين مثلما حدث مع الدكتورة نوال السعداوي؟
- أنا ضد هذا، أنا مع الحرية لأن الحرية حين تصادر على الأشخاص فأكثر من يخسر أصحاب التوجه الإسلامي؛ ففي النهاية حين أهدر بعض الإسلاميين دم الدكتور نصر حامد أبو زيد ونفي في لاهاي ألصقت بهم تهمة الإرهاب، فالحرية تفيد الجميع ولابد أن يكون في الأمة بعض الخارجين عن المساحة الوسط وهذا ما يقوله التاريخ في كل مراحل الأمة السابقة، والأمة كانت تستوعبهم وتحملهم بينها ولابد أن ننتبه لمعركة الإسلام الحقيقية لابد من مواجهة الرأسمالية القاهرة وتوفير الحرية والعدالة، وهذا لا يعني الرضا عن هؤلاء الخارجين عن النهج الإسلامي بل لابد من التوازن ومراعاة الأولويات، فكل شيء لابد أن يأخذ أهميته الحقيقية.
والرسول صلى الله عليه وسلم أراق دماء بعض الكفار المشركين فعلاً ولكن الوضع مختلف تماماً عن الوضع الحالي فالإسلام وضعه الإستراتيجي تغير؛ فالإسلام دين الحرية وهناك متغيرات كثيرة حالياً وما فعله الرسول من إراقة دماء البعض في عصره كان لظروف محددة، والأصل في الإسلام هو حرية التعبير.
العولمة أتت بالطلاق!
* ذكرت في مقال سابق لك في صحيفة الدستور المصرية أن الانفتاح على ثقافة الغرب وزيادة علاقتنا به والعولمة وثورة الاتصالات زادت من معدلات الطلاق.. وذكرت أننا نتفتت ونتشرذم في عصر العولمة والإنترنت.. فكيف نواجه الطوفان التكنولوجي؟
ـ ثورة الاتصالات والاتصال بالغرب أتاح أفقاً جديداً للناس التي تعاني من ضيق الاختيارات في الاتصال، علاوة على أن هذا فتح باب المقارنات بين ما لدي من مستوي مادي أو اجتماعي وما لدى الآخرين، فما يعرض من نساء جميلات في الفضائيات قد يسبب مقارنة الأزواج هؤلاء النساء بزوجته فهذا يصنع ضغطاً كبيراً على المرأة فبدأت تتجه نحو عمليات التجميل، وحتى النساء العاديات اللاتي لا ترتبط بمستوى اجتماعي مرتفع، فأصبح حلم النساء البسيطة أن تقلل وزنها وتتجمل لأنها أصبحت غير مقبولة بشكلها الحالي!
أما مواجهة الطوفان التكنولوجي، أقترح أنه في يوم معين في الأسبوع يتم غلق جميع الأجهزة التكنولوجية، غلق الإنترنت والمحمول، وزيادة الاتصال الإنساني بدلاً من الاتصال من خلال الأجهزة وتقييد جلوس الأطفال أمام التليفزيون والإنترنت فيكفي نصف ساعة فقط يومياً، فالمشكلة أن التعرض لوسائل الإعلام والتكنولوجيا وصل لدرجة الإدمان ومن هنا يجب قضاء وقت أطول مع الأسرة حتى نتوازن في حياتنا.
* ذكرت في كتاب المرأة والدين والأخلاق فيما يتعلق بالعلاقة بين الأخلاق والفقر أن العجلة تسير بالعكس، بمعنى أنه لا يمكن تحقيق الأخلاق بالشكل الذي نريد دون تحقيق القضاء على الفقر وبدون العدالة الاجتماعية.. فكيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية؟ وهل فعلاً أخلاقنا تنحسر وتتراجع؟
- مع معدلات البطالة التي تزيد، وعدم توافر فرص الزواج، وارتفاع معدلات انحراف الشباب، وتراجع الدخول وارتفاع الأسعار، في ظل هذا كله لا يمكن أن نتوقع الفضيلة من الناس، فالناس مضغوطة وكل اهتمامها منصب على البقاء والاحتياجات المادية، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، وعلينا أن نلاحظ أن حد السرقة يسقط لو سرق الشخص مضطراً لحاجته.
والعدالة الاجتماعية تتحقق من خلال حركة تغيير ديمقراطي تتيح فكرة التغيير الاجتماعي ومقاومة رأس المال والنظام الاستهلاكي من خلال مشروع نهضة متكامل، ومن خلال مناهضة الرأسمالية التي تسبب الفوارق الاجتماعية والتفسخ الاجتماعي وتعيش عليها كمبدأ رأسمالي من قيم السوق والاستهلاكية والانتباه لإقحام الرأسمالية فكرة الشراء في كل جوانب حياتنا حتى لأصبح المهم أن يشتري الناس في ظل هذا النظام الاستهلاكي.
هذا ما أربي عليه أولادي
* ما هي تحديات التربية من وجهة نظرك خاصة لو كانت الأم عاملة؟ وكيف تقومين بتربية أبنائك؟
- أولاً التعليم في مجتمعاتنا العربية كارثة فللأسف لا يوجد تعليم حقيقي، فالتعليم في مجتمعاتنا مجرد وسيلة للحصول علي الشهادة فقط، وليس لبناء الشخصية وتفتيح العقل والمجالات أمام أبنائنا، ولمجرد أن يعمل المدرسون ونقول إن أولادنا تتعلم! وهذا خدعة كبيرة! والتعليم يعتبر جزءاً من التربية؛ فحين نقابل الطفل في المدرسة بعدم القدرة علي استيعاب أسئلته أو احترام عقليته وطريقة تفكيره وكبته واستهجان أسئلته وتفكيره، فهذا يؤثر علي تربيته، فبدلاً من أن نترك الطفل يعبر عن نفسه وعن رأيه نكبته ونكبح تفكيره وتساؤلاته.
وعن تربيتي لأبنائي فأحاول أن أجعلهم متوازنين وأن يحترموا البعد الإنساني للناس ولأنفسهم وألا يكونوا مدمني تكنولوجيا، فمن المهم متابعة الإنترنت مثلاً، لكن ليس بصورة أن نتحول لمدمنين لها، وأحاول أن اغرس فيهم الجمع بين الإرادة الحرة والثقافة التي يعيشون بينها، وأغرس فيهم الانفتاح على العالم مع الاحتفاظ والتمسك بالجذور، وأن يتعلموا التوازن في كل شيء بأن يشتروا مثلاً ما يحتاجونه بدون شراهة الاستهلاك.
* كيف السبيل لفعل متوازن يتعلق بخطاب واعٍ موجه ضد ثقافة العري التي تقتحم بيوتنا وشوارعنا وفضائياتنا بحيث لا يؤدي سد الذرائع إلى سد الشرائع كما ذكرت من قبل؟
ـ المشكلة أنه مع كل استنكارنا لما يعرض على الفضائيات فهذا سيظل موجوداً فهذا أحد أذرع الآلة الرأسمالية، وآلة الحداثة؛ فإحدى آلياتها التركيز على الجسد والاحتفاء بالمظهر وتشيؤ الإنسان.
فلابد أن ننتبه إلى أننا لا نواجه العري فقط في حد ذاته بل نواجه منظومة متكاملة فهذا جزء من مخطط كبير، ولا ينفع معه مواجهته فقط فحتى لو اختفت مظاهر العري فستظهر تقاليع أخرى سياسية أو أن نرى الحجاب الذي لا يختلف كثيراً عن السفور من لبس الضيق بل التزين بالحجاب وظهوره كموضة في زي المرأة أو أن تظهر جزءاً من جسدها مع الحجاب.
وهنا يجب الانتباه إلى أهمية ومضمون الخطاب الديني ويحب مراجعته، ويجب تغيير الآليات التي نتخاطب بها في الخطاب الديني، ولابد من التقليل من قيمة الجسد والمظهر والشكل، فنحن بحاجة إلى تغيير نمط التعامل كله من خلال مناهضة العولمة والرأسمالية حتى نستطيع المقاومة بفعالية وكي يفهم الناس أننا بشر وليس مجرد آلات كما تريد لنا الرأسمالية.