ما الذي يدعونا إلى أن نسلط الضوء على الحضور الإخواني في مليونية الإسلاميين، ونزعم أنه كان "شكليا" ولم يكن على قدر ما هو متوقع من الجماعة (كما أوردنا في مقال سابق).. هل نحن دعاة فرقة نسعى لتمزيق الصف (كما تساءل بعضهم)، خاصة في هذا التوقيت الذي تتوق القلوب فيه إلى الوحدة والعمل المشترك؟!.
لا بالطبع لسنا دعاة فرقة، بل نحن أحرص ما يكون على الوحدة، لأنها خطاب إلهي في المقام الأول، ثم لعلمنا أن سر قوة هذه الأمة الإسلامية في وحدتها، التي ما إن تحققت فلن تقدر جهة كائنة من كانت على الوقوف أمامها، وهو السر الذي عرفه العدو ـ للأسف ـ قبل الصديق، فلم يألُ جهدا في التفريق متبعا سياسته "فرق تسد"، وهي بالمناسبة سياسة قديمة متجددة، لأن هؤلاء يستدعونها كلما دعت الحاجة، أي كلما لاح لهم بصيص من الوحدة.
فماذا إذاً؟
ربما لأننا أردنا أن نُلفت الأنظار مبكرا لخطورة التهاون بما يمكن أن يجمعنا، صغيرا كان أو كبيرا، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، فليس سراً تلك المخاوف لدى الكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية من أن يُغلب الإخوان مصالحهم التنظيمية على ما هو مرجو من وحدة الصف الإسلامي، خاصة أمام أحداث فاصلة واستحقاقات انتخابية مرتقبة وهامة ـ لا شك ـ في تحديد مصير هذه البلاد، وهذا ليس اتهاما للنوايا بقدر ما هي مخاوف مشروعة، وفيها ما فيها من الحرص على وحدة الصف وتآلفه، وهو أيضا ليس استباقا بإساءة الظن بل تبكيرا بلفت الانتباه و"خير البر عاجله" كما يقولون.
لكن لماذا هذه الفرضيات المتعجلة، ولماذا جاز وصف هذه المخاوف بـ "المشروعة"؟.. ربما لسوابق تحسب على الإخوان في العمل المشترك مع غيرهم من الإسلاميين، تركت انطباعا لدى أكثر هؤلاء بأن الحركة لا تكاد تدخل في تحالف أو تحاور معهم حتى "تقدم رجلا وتأخر أخرى" وتملي أيضا وتتعالى، وهو على عكس ما كانوا يرونه من مرونة وترحاب شديدين تجاه غير الإسلاميين من التيارات الليبرالية واليسارية.
نعم قد يكون ذلك انتهى في ذمة التاريخ الآن، وأن الثورة التي قلبت كثير من الأوضاع والموازين في البلاد لم تستثنيه، لكنها تظل مشروعة تلك المخاوف ما بقي احتمالا ولو ضئيلا لتكرار ما يستوجبها.
تحدثت مع عدد غير قليل من قيادات الحركة الإسلامية، بانتماءات شتى، حول رؤيتهم لمستقبل الوحدة بين جماعات العمل الإسلامي في مصر، خاصة في ظل ترتيبات كبيرة وتحالفات تجري بين القوى المعادية لهم، في الداخل والخارج، وأيضا إغراءات، وهي قوى ذات إمكانات لا يمكن الاستخفاف بها، ومدعومة بكل ما يلزم لخوض المعركة، إن جاز الوصف، فأجمع كل من أبدوا آراءهم حول هذه المسألة، على الرغبة الشديدة لدى كافة الفصائل الإسلامية في التوحد والعمل المشترك، خاصة مع "الإخوان المسلمين"، لكنها جاءت محفوفة بالمخاوف، في حال اختارت الجماعة "الأم" العمل بمفردها، أو سعت لإخضاع الآخرين لشروطها الخاصة.
لم نكتب إذا لأننا متحاملون على الإخوان، أو للانتقاص منهم وتشويههم ـ والعياذ بالله ـ بل مع تقديرنا الكامل للجماعة ودورها وتاريخها، نقول كم هي بحاجة شديدة إلى أن تبدد المخاوف لدى شركائها من الاتجاهات الإسلامية، وأن تبدي لهم حسن نواياها، خاصة تجاه ما يُتفق عليه، وذلك من منطلق إدراكها لأهمية وحدة هذا الصف وحرصها عليه، وأيضا لما ينبغي أن يكون عليه إدراكها لخطورة الفُرقة والعمل المنفرد وما يستتبعه من اختراق للصفوف.