كان يتنقل بين القنوات الفضائية يجر أذيال عباءته الخليجية ليهاجم فتيات الثورة ويطالب بعدم إثارة المشكلات بخصوص الفتاة التي سحلها جنود الأمن وكشفوا عن جسدها بالكامل وكان يركلها أحد الجنود ببيادته العسكرية بقسوة شديدة، وكان من رأي صاحب العباءة، أن ما حدث لهذه الفتاة منكر صغير والخروج في مظاهرة رد الشرف يوم الجمعة منكر أكبر، ولهذا فهو يرى دفع المنكر الأكبر، ويوصي بالهدوء حتى تتم الانتخابات ويستقر النواب على كراسيهم، ولم يكتف بذلك بل راح يشن هجوما عنيفا على فتيات 6 ابريل وفتيات الثورة عموما ولا يرى منهن غير فتاة يذكر أنها كانت تقف عند وزارة الداخلية وتتلفظ بألفاظ تخدش حياء سيادته، ألفاظ -كما يقول- لا يستطيع هو التلفظ بها. ونحن نصدقه في مسألة حيائه هذه فقد رفض أن يقابل إعلامية شهيرة في برنامج حواري وجها لوجه فجاءوا له بساتر يختفي وراءه حتى لا تخدش المذيعة حياءه وحتى يتجنب فتنة رؤيتها طوال الحديث، أليست أنثى؟... وأليس هو ذكر (بل فحل)؟. وبالمناسبة فقد اتصل أحد المشاهدين ونبهه إلى أن القرآن الكريم فرق بين الذكر والرجل، ونبهه أيضا إلى أن نضال فتيات 6 ابريل وغيرهن هو الذي صنع الثورة وجعله يجلس في هذا المقام آمنا مطمئنا، وجعله يدخل الانتخابات ليحصد الأصوات.
وهذه إشكالية كبيرة صنعتها أقلام وصنعتها قنوات تلح ليل نهار على تشويه الثورة والثوار، وهذا ملموس ومعروف من وراءه ومن المستفيد منه، أما الذي لا نفهمه فهو أن يسير صاحب العباءة وراء هؤلاء وينسى أن الفتاة التي سحلوها وعروا جسدها وركلوها أمام مجلس الوزراء هي السبب في خروجه وخروج آلاف من زملائه من السجن بعد أن ظل معتقلا عشرات السنين بأوامر الداخلية وليس بأمر القضاء، وأن الفتيات ما اضطررن للخروج إلا بسبب نقص الرجال القادرين على النضال في الشارع لنيل الحق في العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
وكان صاحب العباءة الخليجية يعيب على النساء اللائي خرجن في مظاهرة للدفاع عن أختهن التي سحلوها وعروا جسدها وأهانوها، وسأل في تحدي المنتصر: لماذا لم تخرج المظاهرات حين نشرت علياء المهدي صورها عارية على الإنترنت؟... لقد ضاق فهمه عن الفرق بين الموقفين!!!.
وراح صاحب العباءة يزوّر التاريخ الإسلامي ويحاول تلفيق أدلة تسمح له بالتخاذل عن نصرة الفتاة المسحولة بحجة أنه لا يريد استفزاز العسكر حتى لا تحدث فتنة، ونسي ذلك الذكر أن رجلا حقيقيا يسمى "الخليفة المعتصم" قد جهز جيشا وغزا به الروم استجابة لسيدة حاول رجل رومي كشف ثوبها فصرخت "وا معتصماه"، ونسي أيضا أن قبيلة من قبائل اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة قد أخرجوا منها بسبب تداعيات كشف جسد امرأة مما ترتب عليه أن قام رجل مسلم يدافع عن عرض المرأة فقتله يهودي واشتعل الموقف وكان القرار جلاء هذه القبيلة عن المدينة لمخالفتها ميثاق التعايش الذي تم التوافق عليه.
وواضح أن صاحب العباءة لا يقرأ لأنه مشغول بجذب عباءته حول صدره من وقت لآخر، وهو يرى الناس يبالغون في موضوع تعرية الفتيات وضرب النساء في الشوارع بواسطة جنود الأمن والجيش وهو يرى أن عدد من تم الاعتداء عليهن قليل ولا يستدعي هذا اللغط، ونسي أن حرمة الإنسان عند الله أكبر من حرمة الكعبة نفسها، ونسي قول الله تعالى عن النفس (حتى ولو كانت واحدة): "...... مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً....." (المائدة:32)، ونسي أن كرامة الوطن من كرامة الإنسان، هو لا يعرف كل هذا، بل ربما يعرفه ولكنه يعمل بالمثل القائل: "عيش جبان تموت مستور" فلا داعي -في رأيه- لتكبير المسائل الصغيرة، وأن وصوله للبرلمان هو الهدف الأسمى الذي لابد وأن تتراجع كل الأولويات في سبيل تحقيقه، ونسي أنه ما كان له أن يتنسم نسيم الحرية أو أن يترشح في الانتخابات أو أن يجلس مع زوجته وأولاده لولا تضحية الثوار رجالا ونساءً وفتيات وأطفالا، وأن الفتاة التي نزعوا ثيابها وضربوها بقسوة قد تركت بيتها لتحمي كرامة وطنها وشعبها ولتعطيه هو شخصيا فرصة لكي يعيش كريما.
إن الذين انشغلوا بالمسار الانتخابي لا تسريب عليهم فهو المسار الذي ينبغي أن يؤدي إلى تكوين المؤسسات الدستورية بشكل ديمقراطي، ولكن عليهم أن يدركوا أهمية المسار الثوري وأهمية جهود الثوار والذين لولا تضحياتهم وإصرارهم لما رحل مبارك ولما تحققت الانتخابات، وهذا الفهم هو البداية لعلاقة سوية وتكاملية بين أصحاب المسار الانتخابي وأصحاب المسار الثوري فكلاهما يدعم الآخر، وكلاهما يسعى لتحقيق أهداف الثورة التي يلتف عليها الثعابين من كل مكان، ويحاربها حتى الذين استفادوا منها وتحرروا بسبب دماء شهدائها.
وأخيرا نقول للفتاة التي سحلت وتعرت وضربت: لا تستغيثي فليس في رجال مصر "معتصم" بل فيهم "عاصم" لنفسه من رؤية النساء و"عاصم" لنفسه من غضب العسكر و"عاصم" لنفسه من نخوة الرجال.
واقرأ أيضاً:
مللت السذاجة.. سئمت الغباء/ "العسكري" يتعجل الصدام مع الإسلاميين/ سلفي فوبيا/ الديمقراطية بعيون سلفية