نجحت الخطة وانتصرت الدولة العميقة على الشعب المصري، لأنها كانت عميقة جدا وغميقة جدا وذكية جدا ومراوغة جدا، بينما هو (الشعب المصري) كان شفافا جدا وبسيطا جدا وبريئا جدا وساذجا جدا. وطبقا لقوانين الحياة فإنه لا حماية للمغفلين حتى لو كانوا طيبين.
الخطة بدأت في أحد غرف العمليات المظلمة المليئة بالدخان حيث جلس المؤتمرون حول المنضدة يتشاورون كالتالي:
- لازم الريس يبعد عن المشهد علشان الدنيا تهدى.
- وبعدين ياباشا؟
- نستوعب اللي بيحصل ده واحده واحده والناس بعد شويه هاتزهق وتمشي، الشعب المصري نفسه قصير.
- بس فيه ناس بتسخن الموضوع كل شوية.
- دول هانتصرف معاهم.
- ازاي ياباشا؟، إوعى تقول نعتقلهم... دا يهيج الدنيا علينا زيادة، دول بقوا أبطال في نظر الناس دلوقتي.
- لا أبدا، مش هانعمل ده، إحنا باختصار قدام مجموعة شباب ثوري متحمس وبرئ ودول مافيش منهم مشكلة لأن مفيش حاجة قوية ودايمة بتربطهم، يعني ببساطة بعد شويه ها تدب الخلافات بينهم وكل واحد يروح لحاله، ومفيش مانع من وقت للتاني نضربهم ضربة علشان ما يحسوش أنهم أبطال ويفردوا نفسهم زيادة عن اللازم، لازم يحسوا إن الأمر مش سهل... أما بقى المشكلة الأكبر والأسهل في نفس الوقت فهي الإخوان المسلمين.
- ودول هانعمل معاهم إيه ياباشا؟ أنت عارف دول منظمين وعندهم مبدأ السمع والطاعة وليهم قيادة بتحركهم، وبيحاربوا معركة حياة أو موت دلوقتي، ومش معقول هايمشوا أو يتراجعوا بسهولة.
- فاهم كل ده لكن الإخوان حلهم بسيط، همّا بيفكروا بعقلية السجين، ما تنساش إن قياداتهم قعدوا سنوات طويلة في السجن، وحتى اللي ما اتسجنش منهم عاش سنين متوقع القبض عليه واعتقاله فهو برضه بيفكر بعقلية السجين، والسجين ده دايما بيبقى عايز أي حاجة، وبيرضى بأي حاجه ويعتبر مجرد خروجه من باب الزنزانة مكسب، ولو خرج لحوش السجن يبقى وصل لحاجه كبيره قوي، وشوف بقى لو الزمان سعده وقعد مع مدير السجن وشرب كوباية شاي، تبقى ساعتها طاقة القدر أتفتحت له. باختصار إحنا هانفتح طاقة القدر للإخوان، هاندعيهم ونقعد معاهم، ونتفاهم معاهم، وأنت عارف أنهم قابلين دايما للتفاهم، وبيحسبوها كويس، وإحنا كمان هانحسبها معاهم كويس، ممكن نعطيهم شرعية تكوين حزب، وممكن نسمح لهم بدخول انتخابات الشعب والشورى.
- بس ياباشا أنت عارف الإخوان ما بيصدقوا يلاقوا فرصه ويكوشوا على كل حاجه، سعادتك ناسي خطة التمكين اللي ظبطناها وكانت مكتوبة بخط خيرت الشاطر؟
- عارف ده كويس، وهي دي الخطة، أحنا هانستدرجهم، يدخلوا بكل قوتهم ويستحوذوا ويحاولوا يتمكنوا ويسيطروا على البرلمان واللجنة التأسيسية للدستور، ومش بعيد كمان يطمعوا في الرئاسة، وفي الوقت ده هايبعدوا عن الميدان والشوارع وينشغلوا بالانتخابات، وفي الوقت ده رجالتنا في الإعلام يظهروا عيوبهم للناس ويضخموها ويعملوا حالة خوف عند الناس منهم، وشويه شويه الناس تكرههم وتبعد عنهم، وبكده نرتاح من تسخينهم وحشدهم للشارع، يفضل عندنا الشباب اللي عاملين قلق في الميدان والشوارع، ودول مش منظمين ومالهمش قواعد في الشارع، واحنا زارعين عناصر كتير في وسطهم، وبسهولة نسيطر عليهم أو نعتقل أعداد منهم لحد ما نكسر شوكتهم.
وبعدين ما تنساش أن استمالتنا للإخوان ها يعطينا شرعية شعبية قوية نعبر فيها الفترة الانتقالية دي بسلام، وهمّا ها يسهلولنا الوصول للشارع والسيطرة عليه، وكمان هانبان قدام العالم أننا مدينا إيدينا وتعاوننا مع قوى المعارضة الإسلامية اللي أمريكا والغرب واجعين دماغنا بيهم ليل ونهار. الأهم من كده أن تحالفهم معانا وانسحابهم من الميدان والشوارع ها يخلي الشباب الثائر يتهمهم بالخيانة للثورة، وبكده يبقى عملنا شرخ وعداوه بينهم.
- بس ياباشا دول لو دخلوا مجلس الشعب هايعملوا حاجات تزود شعبيتهم ويتمكنوا أكتر وأكتر ومش بعيد يطالبوا بتشكيل الحكومة لو حصلوا على أغلبية أو على الأقل يحاولوا يسحبوا الثقة من الحكومة.
- أبدا، كل شيء معمول حسابه، إحنا هانخليهم يأخذوا الأصوات اللي همّا عايزينها ويدخلوا المجلس بأغلبية، لكن مش هايقدروا يعملوا حاجة إلا في حدود اللي إحنا هانسمح لهم بيه، باختصار هايبقى البرلمان في صندوق وإحنا اللي معانا مفتاحه.
- طب والسلفيين، دول كمان ليهم شعبية كبيرة ومشايخهم محبوبين من ناس كتير وبأوا عايزين يدخلوا في السياسة!!
- دول بقى هما الحبل اللي هانشنق بيه الإخوان
- ازاي ياباشا؟
- شوف يا سيدي، طبعا أنت عارف أن السلفيين مالهمش في السياسة، وممكن تبقى ليهم آراء صادمة ومخيفة للليبراليين والعلمانيين وحتى للناس العاديين، يعني مثلا ممكن يطالبوا بتطبيق الحدود، وإلغاء الفن، والحجر على الثقافة والمثقفين، وتحجيب المرأة، وإقامة الخلافة الإسلامية، وحاجات زي كده كتير تخوف المجتمع كله من التيار الإسلامي (إخوان وسلفيين)، وطبعا رجالتنا في الإعلام ها يقوموا باللازم لحد ما يخلوا صورتهم قدام الناس زي الزفت. كمان لما يدخلوا المجلس وما يقدروش يعملوا حاجه من اللي وعدوا بيها الناس، الناس بعد شوية هايفقدوا الثقة فيهم ومش بعيد يكرهوهم، وبكده يبقى إحنا أضعفنا النواه الصلبة والقوة المنظمة اللي ظهرت بعد 25 يناير، وبعد كده الباقي أسهل.
- هو إيه الباقي يا باشا؟
- الباقي إن إحنا نسيب الأمن شوية ما يرجعش علشان ما نعملش مواجهات أو مشاكل مع الناس، أنت عارف الناس مش طايقه الشرطة، في الحالة دي ها ينتشر البلطجية ويهددوا الناس، ويمكن كمان تزيد أحداث العنف والمواجهات الطائفية، مش ها نتدخل إلا عند لحظه معينه لما نلاقي أن الأمور هاتفلت أو تخرج عن السيطرة.
- طب وهانستفيد من ده إيه ياباشا؟
- الناس هاتحس بالخوف، وتفهم أن ده تمن اللي عملوه يوم ما خرجوا وواجهوا الدولة وحطموا جهاز الشرطة اللي كان بيحميهم، ولازم كمان يواجهوا شوية أزمات وضغوط علشان يعرفوا إن تحطيم الدولة مش سهل، في الحالة دي الناس ها تتعلق بالسلطة اللي تحقق لهم الأمان ويكرهوا الثورة والثوار اللي جابوا لهم الفوضى والقلق.
- وبعدين يا باشا؟
- بعد كام شهر هاتلاقي الناس من كتر الأزمات ومن حالة الفوضى والخوف يكرهوا الإخوان ويكرهوا الثوار ويكرهوا الثورة وما يبقاش قدامهم غيرنا يتعلقوا بينا علشان نضمن ليهم لقمة العيش والأمان، وبكده نقدر نرجع الاستقرار للبلد تاني ونخلص من مشاكل الجميع، وفي الوقت المناسب نحل مجلس الشعب اللي دخله الإخوان لأن قانون الانتخاب فيه مشكلة نقدر نكبرها ونحركها، وساعتها ما حدش كتير هايعترض لأنهم هايكونوا أخدوا فكرة سيئة عن الإخوان أنهم طمّاعين ومستحوذين وعايزين يكوشوا على السلطة، ومفيش مانع إننا نقدم أحمد شفيق مرشح للرئاسة علشان نضمن استقرار الأحوال في البلد، ونضمن كمان أن ما يجيش واحد مدني متهور أو فوضوي يخرب البلد أو يقول هاحاكمكم زي ما حاكمنا مبارك.
- طب والقضايا اللي متقدمة ضده عند النائب العام ياباشا؟
- آهي محطوطة لو احتجنا نمشيه في أي وقت نحركها.
- طب ولو مرشحهم مرسي هو اللي نجح ياباشا؟
- ما تقلقش، ساعتها حانحطه في جيبنا ومش هايقدر يعمل أي حاجة من غير إذننا؟
- جدع يا باشا!!!!!
واقرأ أيضًا:
شفيق.. الطبعة الثانية / مجلس العسكر وخراب ملطا / نداء أخير إلى كل شرفاء مصر / مازوخية المصريين: ثورة بالقانون وها.. ذي آخرتها!
التعليق: وسط كل ذلك اللغط والقلق .. ما زلت أشعر بالتفاؤل.. مع كل هذا الحشد الإعلامي والسياسي لجانب ضد آخر ..مع كل هذه الحرب النفسية.. ما زلت أشعر بالتفاؤل، وسأظل أنتظر بيقين مستقبلاً أرحب وأطيب.. إذ كلما زاد الإحباط وعلا صوت الغدر.. أتاني صوت آخر أقوى، وأعظم، وأحن، وأرحم، وأحكم من حدود خيالي ومنتهى آمالي.. صوت نادى أهل هذه الأرض ذاتها.. يوم كانوا أهون من فيها:
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ).
سورة النمل أفلا أتفائل؟؟!!!