كان ضابط أمن الدولة يحقق معي منذ أكثر من عشر سنوات ومن وقت لآخر يقطع التحقيق ليسب حسن البنا بألفاظ قبيحة وخارجة عن الأدب ويفعل نفس الشيء بالنسبة للإخوان المسلمين (وقتها عرفت كم يشكل الإخوان من تهديد للنظام الفاسد)، ولم يكن ذلك مفاجأة لي فقد كنت أعلم أنهم يعدون أمثاله بعمليات تدريب منهجية يخرج بعدها مبرمجا (بشكل عنصري) على كراهية وازدراء الإخوان حتى يتمكن من قمعهم وإهانتهم وإذلالهم وتعذيبهم وتتبعهم وتشويههم.
كان هذا مفهوما في سياقه وممن يقوم به، ولكن الغريب أن تقرأ وتسمع لكثيرين من الكتاب والإعلاميين المحسوبين على التيار اليساري أو العلماني أو الليبرالي نفس الكلام وبنفس لغة ضابط أمن الدولة في أحاديثهم الخاصة وقريب منه مع تعديلات بسيطة في كتاباتهم وتصريحاتهم فيما يخص التيار الإسلامي عموما والإخوان المسلمين على وجه الخصوص. ولا أنسى كاتبة يسارية في برنامج حواري وهي تتحدث عن الإسلاميين الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية بكل قرف واشمئزاز وتقزز.
قد يقول قائل: إن التيار الإسلامي له أخطاء فكرية ومنهجية تستحق النقد والهجوم والمعارضة خاصة حين يصل إلى مقاعد البرلمان وكرسي الرئاسة. ولسنا ننكر وجود مثل هذه الأخطاء في التيار الإسلامي السياسي وفي غيره من التيارات (وقد انتقدناهم في حينها)، فالجميع في النهاية بشر لا ملائكة، وحق النقد والمعارضة مكفول، وهو يؤدي (أو يجب أن يؤدي) إلى نضج النظام السياسي ونضج المجتمع ككل، وقد كان لهذا النقد دور مهم في تأهيل التيار السلفي بعد الثورة ووصوله إلى درجة معقولة من النضج السياسي في فترة وجيزة، وأدى أيضا هذا النقد إلى حدوث مراجعات داخل الإخوان لكثير من القرارات التي كانت محل نقد وهجوم في الفترة الانتقالية.
إذن فلا خلاف على أخطاء التيار الإسلامي ولا خلاف على وجوب النقد والمعارضة، ولكن الخطورة تكمن في ظهور توجهات عنصرية لدى عدد كبير من النخبة السياسية والإعلامية تشكل في مجملها ازدراءا للمنتمين للتيار الإسلامي وتحقيرا وتسفيها لهم وسخرية لاذعة منهم وحطا من شأنهم وهمزهم ولمزهم على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات.
وقد قام بهذا فريقين من السياسيين والإعلاميين: الفريق الأول معروف بصلاته الوثيقة بالجهات الأمنية وبأجهزة الدولة العميقة وبعمله لخدمة توجهاتها قبل وبعد الثورة، ولهذا فليس مستغربا منه أن يحقق أهداف تلك الأجهزة والتي كانت تتلخص في تفريغ الثورة من مضمونها وتشويه كل القوى الثورية بما فيها الإخوان المسلمين، وربما يكون التركيز على الإخوان بشكل خاص نظرا لكونهم جماعة منظمة تنظيما محكما ولهم قدرة هائلة على الحشد والتأثير في الشارع المصري. أما الفريق الثاني الذي تورط في هذا الأمر (شيطنة التيار الإسلامي والإخوان على وجه الخصوص) فيتكون للأسف من شخصيات وطنية وثورية، وليس لهم صلة بخطط أجهزة الدولة العميقة. إذن لماذا تورط هذا الفريق في تشويه الإخوان إلى هذه الدرجة التي كادت تؤدي إلى فوز أحمد شفيق في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة وإلى عودة الأمور إلى الوراء وإجهاض الثورة التي تعبوا فيها وكانوا من مفجريها ومن أسباب نجاحها ؟.
ربما يرجع السبب إلى حساسيتهم الشخصية تجاه المتدينين بوجه عام وتجاه تيار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين بوجه خاص، مما جعلهم يضخمون أخطاءهم ويسقطون عليهم كل النتائج السلبية والعثرات التي حدثت في المرحلة الانتقالية بعد الثورة، وربما يتناسون أن كل القوى والتيارات السياسية في مصر قد ارتكبت هي الأخرى أخطاءا فادحة. وكانت الخطورة في هجوم الفريق الثاني أكبر نظرا لما لديهم من مصداقية اكتسبوها في سنوات معارضتهم لمبارك ونظام حكمه، وللأسف لم ينتبهوا لاستغلال هجومهم القاسي على الإخوان في الدفع بمرشح النظام السابق إلى كرسي الرئاسة، وكادت هذه الكارثة أن تحدث لولا وعي البسطاء من الناس (وعدد قليل من النخبة مثل بلال فضل وعلاء الأسواني وحمدي قنديل وغيرهم) الذين أدركوا خيوط المؤامرة فخرجوا ليصوتوا لمرسي حتى ينقذوا الثورة على الرغم من عدم انتمائهم للإخوان وربما عدم رضاهم عنهم في بعض المواقف.
وعلى الرغم من نجاح مرسي بأصوات المصريين، ظلت النخبة على نهجهها العنصري في النظر بازدراء إلى الرئيس وإلى زوجته (التي تندروا عليها بأنها أم أحمد) وإلى رموز كثيرة للتيار الديني، وكأن ثمة حالة من التربص واصطياد الأخطاء وتضخيمها، وبدا مجمل الخطاب الإعلامي متجها إلى التقليل من شأنهم والنظر إليهم على أنهم جهلاء ومتخلفين وفاشيين ومنتمين لعصور الظلام ورجعيين ومستبدين ومنغلقي العقول. ومن درس القانون أو عاش في أي دولة محترمة يعرف أن هذه هي عناصر النظرة العنصرية إلى الآخر، وأن وصم أي تيار أو جماعة في المجتمع بهذه الأوصاف يؤدي إلى حالة من التمييز العنصري ضدها (نفس ماكان يفعله ضباط أمن الدولة ورجال النظام السابق تجاه المعارضين بوجه عام وتجاه الإخوان بشكل خاص).
إن النخبة المصرية في حاجة إلى مراجعة مواقفها، والعودة إلى مبادئها التي تتغنى بها ليل نهار من قبول الآخر واحترامه، وحقوق المواطنة والمساواة في الواجبات والحقوق، ورفض كل أنواع التمييز العنصري على أساس العقيدة أو اللون أو الجنس.
اقرأ أيضا
مجلس العسكر وخراب ملطا / نداء أخير إلى كل شرفاء مصر / مازوخية المصريين: ثورة بالقانون وها.. ذي آخرتها! / ثورة... ثورة.... حتى النصر