لا يترك الغرب بشكل عام وواشنطن بشكل خاص حدث سياسي في المنطقة خصوصا ما يتعلق بالحريات والديمقراطية إلا وعلقوا عليه ليعطونا المواعظ والتوجيهات والدروس عن حقوق الإنسان واحترام العملية الديمقراطية والانتخابات وحكم الصندوق. غير أننا شاهدنا صمتا غريبا عما جرى في مصر من مهزلة الاستفتاء على دستور كتبته لجنة عينها الانقلابيون، لا من ناحية الشكل ولا المضمون ولا الأرقام المثيرة للشفقة والسخرية المرة. الصامتون صمت الأموات هم أنفسهم من استفزتهم خراطيم مياه تركية في التقسيم باسطنبول وأقلقهم استدعاء باسم يوسف للتحقيق في عهد مرسي بعد إساءاته الشخصية وغير الأخلاقية لرئيس البلاد في حينها.
واشنطن هي على الأرجح مهندسة انقلاب السيسي بالتنسيق مع تل أبيب وأدواتها السياسية في المنطقة. وهي وإن كانت محكومة بمواقف إعلامية وسياسية في الغرب قد تعرضها للمساءلة والتشهير وبالتالي فهي لم تدعم الانقلاب بصراحة كما لم تدنه بوضوح حفاظا على مصداقيتها الزائفة ومكانتها في تقويم وتقييم الدول والأمم. انتقلت واشنطن والدول الغربية من القلق على الأوضاع في مصر بعد الانقلاب العسكري مباشرة إلى التشديد على سرعة ومصداقية مرحلة السيسي الانتقالية للانتقال إلى حكم ديمقراطي موهوم، وهي بالتالي تعترف بالانقلاب ونتائجه تحت ذريعة الأمر الواقع وعدم الانفصال عن الواقع.
الإخراج الهزلي لدستور مجموعة الخمسين والتي شاركت بسرقة خيار الشعب المصري وأصواته في استحقاقات نزيهة ومتعددة بمرحلة ما قبل انقلاب السيسي إضافة لغياب مراقبة دولية أو محايدة لمهزلة الاستفتاء، وضعت واشنطن وحلفاؤها في موقف محرج. فهم إن امتدحوا مسرحية الاستفتاء وأثنوا عليها وضعوا مصداقيتهم في الهاوية أمام منافسيهم السياسيين في بلادهم وأمام إعلام يمتلك الحرية في الانتقاد والتعليق، وهم إن عبروا عن حقيقة الموقف نزعوا من حلفائهم السياسيين في مصر السيسي المصداقية وعروهم وأفسدوا عليهم عرسهم الديمقراطي الزائف.
من هنا رأينا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعلق على نتائج الاستفاء بشكل رمادي بلا لون ولا طعم ولا نكهة بعدما تجنب التعليق على مجريات الاستفتاء. ففي بيان صدر بعد يوم من إعلان نتائج مهزلة الاستفتاء قال كيري "في الوقت الذي تمر فيه مصر بعملية انتقال سياسي، فإن الولايات المتحدة تدعو الحكومة المصرية المؤقتة إلى أن تطبق بالكامل الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور الجديد للشعب المصري، والتقدم باتجاه المصالحة"، بلغة غير مباشرة وإن كانت واضحة فإن واشنطن تعترف بالاستفتاء المسرحي الهزيل وما نتج عنه!!
غير أن كيري تجاوز الرمادية إلى صفاقة سياسية منقطعة النظير حين قال "التجربة المصرية المضطربة في الديمقراطية، خلال السنوات الثلاث الماضية، أوضحت للجميع أن التصويت في الانتخابات ليس المحدد الوحيد للديمقراطية"، موضحا أن الأهم هي الخطوات التي تتبع عملية التصويت. هنا التصويت النزيه ما قبل الانقلاب ليس المحدد للديمقراطية بالنسبة لنا نحن العرب، فما هي محدداتها؟ أحذية العسكر ونهبهم للثروات واغتيالهم للثورات واعتداءهم على النساء والأطفال واقترافهم المجازر في رابعة النهار في النهضة ورابعة وغيرهما.
كيري شدد في بيانه على أن الديمقراطية هي أكبر من أي استفتاء أو انتخابات، مشيرا إلى أنها تعني المساواة في الحقوق وتوفير الحماية بموجب القانون لجميع المصريين، بغض النظر عن جنسهم، أو دينهم، أو العرق، أو الانتماء السياسي. وقال: إن بلاده عبرت باستمرار عن قلقها الشديد، إزاء القيود المفروضة على حرية التجمع السلمي والتعبير في مصر، خاصة تلك التى سبقت الاستفتاء، وأضاف: "الولايات المتحدة تحث مرة أخرى جميع الأطراف على إدانة ومنع العنف والتحرك، نحو عملية سياسية شاملة، تقوم على سيادة القانون واحترام الحريات الأساسية لجميع المصريين".
لاحظ الرمادية والازدواجية ودعم الانقلاب وإن كان بشكل غير مباشر ولكنه واضح وصريح. أليس من المعيب على الغرب وواشنطن أن يمتدحوا طوال عقود ما يسمى بديمقراطية إسرائيل ويعيروننا بدكتاتوريات هم صنعوها أو على أضعف الإيمان ساندوها ودعموها؟؟!!
واقرأ أيضا:
مسار الثورة 7 ديسمبر.... فرصة نادرة ! / أين الخلل ؟ / إيقاظ الحياة / الثورة الراقصة