كان التعاون بين قسم من أكراد العراق و(إسرائيل) معروفاً منذ عشرات السنين، وخصوصاً في فترة صراعهم ضد النظام العراقي.
وبعد الحرب الأمريكيـة على العراق ظهرت أشـكال مختلفـة من التعاون الاقتصادي والعسـكري بين الحكم الذاتي و(إسـرائيل)، ولعب الكثير من ضباط الاسـتخبارات السـابقين وبعض اليهود الأكراد دوراً كبيراً في تعزيز هذه العلاقات، بل أن بيع النفط العراقي (لإسـرائيل) من خلال اتفاقيات مع الحكومـة الكرديـة لم يكن سـراً، حتى أن البعض تفاخر بـه، خصوصاً بعد وصول ناقلـة نفط كبرى إلى ميناء إسـرائيلي في العام الماضي.
لكن الجديد هذه المرة هو أن (إسـرائيل) تعتمد بشـكل شـبـه كلي على النفط الوارد إليها من كردسـتان العراق، وأن نسـبـة الواردات من كردسـتان تبلغ 75 في المئـة. وهذا ما كشفت عنه أمس الأول صحيفة «فايننشال تايمز» الاقتصادية، التي أظهرت أن (إسرائيل) استوردت مؤخراً من كردستان العراق ما لا يقل عن 19 مليون برميل نفط..!!
وأوضحت «فايننشال تايمز» (أن إسرائيل) استوردت 19 مليون برميل من النفط العراقي عبر كردستان من أيار حتى مطلع آب الحالي. واعتمدت الصحيفة في تحقيقها على رصد لحركة ناقلات النفط ومعطيات التجارة البحرية، وقالت إن قيمة هذه الواردات من كردستان تصل إلى مليار دولار، وأن هذه الواردات من النفط العراقي عبر كردستان توازي 77 في المئة من استهلاك (إسرائيل) النفطي البالغ 244 ألف برميل يومياً!
وتُشير الصحيفة إلى أن الكميات المشار إليها تُظهر أن حوالي ثلث صادرات النفط من شمال العراق المنقول عبر ميناء جيهان التركي تصل إلى (إسرائيل). وتوضح أن قسماً من النفط العراقي هذا تُعيد (إسرائيل) تصديره، كما أن قسماً آخر تقوم بتخزينه!
وتُفيد «فايننشال تايمز» بأن خبراء التجارة والصناعة يفترضون أن (إسرائيل) تستورد النفط الكردي بأسعار مخفضة، لكن الحكومة الكردية تنفي ذلك. ويرى خبراء آخرون أن (إسرائيل) بذلك تجد سبيلاً لدعم الأكراد مالياً.
ومن المعروف أن موضوع النفط في كردستان وتصديره إلى الخارج كان، ولا يزال، موضع نزاع بين حكومة كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد. ولكن حكومة كردستان تُفلح في تجاوز الرفض المركزي العراقي بسبب ضعف بغداد من ناحية، ومصالح إقليمية وخصوصاً تركية من ناحية أخرى.
وتنقل «فايننشال تايمز» عن مستشار لحكومة كردستان قوله: «لا يهمنا أين يذهب النفط الذي نبيعـه لتجار، فهدفنا هو الحصول على أموال لتمويل قوات الـ "بشـمركـة" في مواجهـة (داعـش)، ولدفع رواتب الموظفين». وتزعم الحكومة الكردية أنها لم تبع النفط (لإسرائيل) «لا بشكل مباشر ولا غير مباشر»..!!
وكانت وكالات الأنباء قد نشرت في شباط الماضي صورة لناقلة نفط عملاقة تسمى «ألتاي»، مسجلة في ليبيريا، وتحمل مليون برميل من النفط من كردستان تُفرغ حمولتها في ميناء عسقلان. وقد أُثير أمر هذه السفينة خصوصاً بسبب الخلاف بين حكومة أربيل الكردية والحكومة العراقية المركزية في بغداد على مبيعات النفط مما قاد إلى احتجاز السفينة عدة شهور في تكساس. ولم تُفلح السفينة في الحركة إلا في كانون الثاني الماضي بعد اتفاق مؤقت بين الحكومتين على تصدير النفط فوصلت السفينة إلى ميناء عسقلان.
ومعروف أن حكومة أربيل أنشأت خط نقل نفط مباشراً بين كردستان وتركيا متجاوزة منظومة أنابيب النفط المركزية العراقية، وهو ما أثار الخلاف حول حقوق النفط. وهنا برز خلاف بين (إسرائيل) التي وقفت إلى جانب الأكراد والولايات المتحدة التي وقفت إلى جانب الحكومة العراقية في هذا النزاع وعارضت بيع النفط بشكل مستقل من جانب كردستان.
ويبيع الأكراد النفط أيضاً بكميات كبيرة لكلٍ من إيطاليا وفرنسا واليونان. ورغم كل واردات (إسرائيل) من النفط العراقي عبر كردستان، إلا أنها لا تزال تستورد النفط من كازخستان وروسيا.
وقبل أكثر من عام، وتحديداً في شهر حزيران العام 2014، نشرت وكالة «رويترز» تقريراً قالت فيه أن (إسرائيل) ستتلقى أول شحنة من النفط من الأكراد. وحينها اقتبست الوكالة عن مسؤول إسرائيلي قوله أن (إسرائيل) معنية بتوثيق علاقاتها مع الأكراد، كجزء من تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وخلق فرص جديدة لواردات الطاقة.
ومعروف أن النفط الكردي يصل إلى (إسرائيل) وكأنه عبر طرف ثالث، وهي الطريقة ذاتها التي استخدمتها (إسرائيل) في علاقاتها مع نظام الشاه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ فالنفط يُباع شكلياً من الحكومة الكردية إلى شركات تُنشأ لهذا الغرض بعلم الحكومتين الكردية والإسرائيلية. وتتفاخر الحكومة الكردية بأنها سعيدة لأن أحداً ما يشتري نفطها وهي لا تُخفي أنها تبيعه بأسعار خاصة. ومن الواضح أن الحكومة التركية التي تستفيد من مرور النفط عبر أراضيها وتُصديره عبر موانئها تبدو مرتاحة لذلك.
وفي الصيف الماضي، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو)، في موقف نادر، أن (إسرائيل) تدعم قيام دولة كردية في شمال العراق، في المنطقة التي يوجد فيها الحكم الذاتي الكردي. كما أن الرئيس الإسرائيلي السابق (شمعون بيريز) قال شيئاً مشابهاً. وهذه الأقوال عبّرت ليس فقط عن الصلة بين (إسرائيل) والحكومة الكردية وإنما أيضاً عن عمق الأزمة بين (إسرائيل) وتركيا التي تخشى من قيام دولة كردية على حدودها.
واقرأ أيضاً:
شروط إسرائيل والسلام المستحيل!/ كل مجلس أمن وأنتم طيبون / نحن وحركة فتح فى ذكراها الخمسين/ القدس رايتنا!