أما الرجال في الغرب: فقد أصبح لديهم نظرة نحو تأكيد الذات، قد تتشابه وقد تختلف مع نظرة الرجال عندنا في الشرق، فليس مفهوم تأكيد الذات لدى الرجل الغربي هو المنافسة مع الآخرين، وبالذات مع زوجته، فالرجل الغربي يساعد زوجته في أعمال المنزل اليومية، مهما علا قدره، وارتفعت منزلته، وهو يرى المشاركة، وليس فقط المساعدة، في تَرْبِية أطفالهِ والتدريس لهم من مظاهر تأكيده لذاته بصورة هادئة وعقلانية.
ففي القرنِ العشرينِ أصبح معظم الرجالِ في الغرب، يعترفون بالمساواة المطلقة والمجردة بين الرجل والمرأة، وهذا الاعتراف ليس اعترافا اختياريا ولكنه إجباريا، دفعت المرأة ثمن هذا الاعتراف بمجهوداتها وعملها داخل وخارج البيت، دفعته على حساب أعصابها ونفسيتها، وعلى حساب سعادتها، وعلى حساب أسرتها وبالذات على حساب أبنائها وبناتها، لقد ازداد في الغرب الاهتمام بالمادة، وعلى حساب أي شيء آخر، ولولا وجود نظم إدارية دقيقة، يحميها القضاء، وكذلك وجود نظم تعليمية وتربوية متقدمة تتعهد النشء، لانهارت الحضارة الغربية منذ عدة عقود، لقد تَغيّرتْ المفاهيمُ النفسيةُ "للذكورةِ" في الغرب.
لقد أصبح دور الذكورفي الغرب شبيها إلى حد ما بدور الذكور في خلية النحل، مع فارق دقيق واضح، ألا وهو أن الذكور في الغرب يوقنون حق اليقين أنهم لوتوقفوا عن العمل وإطعام أنفسهم على الأقل، لأي سبب، فسيكون مصيرهم هو الطرد خارج البيت، كما تفعل شغالة النحل في الذكور الكسالى بعد تلقيح الملكة، (ولاتسأل عن المودة أو الرحمة بين الأزواج والزوجات)، ففي الغرب يربى الأولاد مع البنات، والفتيان مع الفتيات، والشباب مع الشابات في المدارس والجامعات، للذكور ما للإناث، وللإناث ما للذكور من حقوق وواجبات، وهم في الغرب يُعلمون أن يُطالبوا بحقوقهم قبل أن يؤدوا ما عليهم، ويعترف الرجالِ بأنّهم يُمْكِنُ أَنْ يُنجزوا أهدافَ حياتِهم الخاصةِ بصورة حازمةِ، ومؤكدة لذواتهم – وهم في نفس الوقت لَيسوا عدوانيينَ – ولا يُسمح لهم أن يكونوا كذلك، حتى في حال عدوانهم اللفظي على زوجاتهم أو أبنائهم، لأن ذلك إذا ثبت عليهم، فسيكونون فورا واقعين تحت طائلة القانون.
في الغرب يتم احترام أولئك الرجالِ الذين يَبْدأونَ بالاعتِراف لأنفسهم وإلى بعضهم البعض (وإنْ لمْ يكن ذلك بصورة واضحة وحتى الآن للنِساءِ القريبات منهم)، وحاجاتهم ورغباتهم، ونقاط ضعفهم ونقاط قوتهم، وكذلك تخوّفاتهم وأخطائهم، وأيضا الضغوط الداخلية والخارجية التي تَقُودُ حياتهم.
يحترم الرجال الحازمون المؤكدون لذواتهم العِلاقاتِ مَع الآخرين المهمينِ في حياتِهم احتراما كبيرا، وهذا الاحترام من جانب الرجل الغربي لأهله وأصدقائه وجيرانه ومعارفه يجعله مرتاحُا بما فيه الكفاية مَع نفسه، إنّ أمانةَ الإصرارِ على احترام الآخرين تعد ثروةُ في ميزان العِلاقاتِ الشخصيةِ القَريبةِ، والرجال المؤكدون لذواتهم يعتبرون احترام الآخرين من العوامل المساعدة على نجاحِهم الاقتصاديِ والاجتماعي.
والباحثون الذين دَرسوا مجموعاتَ كبيرةَ مِنْ الرجال،ِ وعلى فتراتِ طويلة من الوقتِ قد لاحظوا أن العديد مِنْ الرجالِ الذين عاشوا الأسلوبَ العدوانيَ في عشريناتِهم وثلاثينياتِهم، قد عانوا من صعوبات منعتهم من تحقيق الإنجازاتِ التي حققها نظرائهم الذين أصروا على احترام الآخرين، إنّ قِيَمَ الألفةِ، والقرب العائلي، والصداقات الوفية كُلهاّ تَبنّى بالإصرارِ والانفتاح على الآخرين، والأمانة والصدق الدائمينَ.
الحياة في عالم متعدّد الثقافات(1): إن جوهر نظرتِنا إلى تدريب الإصرارِ هو تحقيق المساواة، إنّ من أهدافَ هذا الكتابِ هو َتبنّي وتحقيق تواصلَ أفضلَ بين الأنداد، وأَنْ لا نُساعدَ طرفا ِكي يَكُونَ متفوّقاَ على الطرف الآخرِ أَو إلى أن يتقدم خطوة على حساب الآخرين، وذلك للحُصُول على طريقة من التواصل المفتوح والصادق، والمتبادل بين كل الأطراف، إن التعاون على تَأكيد الذات هو عمليةُ تُمْكِنُ مَنْ إُنجازَ النتيجةَ المطلوبةَ للمساواةِ وتحقيق العدل والاحترام المتبادل بين أبناء البشر، في هذه الأيامِ، وعلى أي حال.
ذلك الهدفِ قَدْ يَكُون تَحدّيا أكبر، وبصورة هامة من أي وقت مضى، فبينما العالم يترابط بصورة أكثر من أي وقت مضىَ، وذلك مع تقدم وسائل التواصل بين البشر، من الهاتف إلى التلفاز والقنوات الفضائية إلى الإنترنيت، ومع آليات التواصل تلك، حدث هناك تغييراتُ في الشخصية السياسية والاقتصادية العالمية، وبصورة تدعو إلى الوعي أكثرِ وأكثر لما يجري في أنحاء المعمورة، هذا الكوكب الصغير الذي يقال عنه الأرض، والذي أصبح بعد تقدم وسائل الاتصالات كقرية صغيرة، يتواصل فيها البشر بصور مباشرِة وغير مباشرة مَع أناسِ متعددي الخلفياتِ الثقافيةِ، كُلّ يوم، ومن بيت كل واحد منا، يرى معظمنا العالمَ وقد أُصبح خَليْط متعدّد الثقافاتِ والأعراق من خلال الفضائيات والانترنيت، وذلك بصورة أكبر من أي وقت مضى. إن ذلك لمثيرُ حقا أَنْ نَرى وجوهاَ مختلفةَ ونسمع لغاتَ قد لا نعرف الكثير منها، ونتابع أنماطا وأساليب مختلفةَ للحياة، ولكن قد يكون ذلك أحياناً مُزعجا لنا. ويتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> تابع: الحياة في عالم متعدّد الثقافات(2)