الفصل العاشر
للتعرف على كيفية مناقشة القضايا الحساسة، نطرح هذه المشكلة الصعبة كمثال. عاد "خالد" ذات مرة إلى المنزل ولم يكد يدخل من الباب حتى وجد زوجته "مروة" وقد بدا عليها الأسى والضيق، واستطاع أن يدرك من عينيها المغروقتين بالدموع أنها كانت تبكي. لم تتوجه إليه لتستقبله بالترحيب كالعادة!، وبدلا من ذلك نظرت إليه وعلى وجهها تعبير يكاد ينطق "كيف تأتى لك أن تفعل ذلك؟!". إن "خالداً" لا يعرف أي شيء حتى الآن، ولكن "مروة" تعتقد أنه يقيم علاقة غرامية مع أخرى!، وهذا غير صحيح!.
ولكن كيف توصلت إلى هذه النتيجة الخاطئة والخطيرة في نفس الوقت؟!، في وقت مبكر من ذلك اليوم تسلمت "مروة" كشف الحساب الخاص ببطاقتهما الائتمانية ولاحظت وجود حساب باسم "فندق ريجنسي"، وهو فندق صغير يقع على مسافة أقل من كيلومتر واحد من المنزل. دهشت "مروة" من ذلك وتساءلت عن السبب الذي دفع زوجها إلى الإقامة في فندق شديد القرب من المنزل كهذا، ولماذا لم يخبرها بذلك؟!.. حينئذ توصلت إلى نتيجة واحدة قائلة: "يا له من زوج خائن!".
ما أسوأ الطريقة التي تعاملت بها "مروة" مع هذا الشأن! (بالإضافة إلى تخديره، ثم تقطيعه إلى أجزاء صغيرة، ووضعه في أكياس القمامة، وتوزيع جثته على صناديق القمامة المختلفة في المدينة، كما حدث في إحدى مدن مصر، وتحولت هذه الجريمة إلى فيلم سينمائي فيما بعد!!)، وما أسوأ هذا الأسلوب في التفكير بالنسبة لهذه المشكلة!!!. يتفق معظم الناس على أن القفز إلى توجيه الاتهام الذي يتبعه التهديد هو الوسيلة المناسبة لمعرفة الحقيقة، وهذا ما يفعله كثيرون، و"مروة" ليست استثناءاً من هؤلاء!!!.
تقول في نبرة ألم: "لا أصدق أنك تفعل هذا بي".
يسأل "خالد" الذي لا يعرف عما تتكلم: ولكنه يعتقد أنه أمر غير مطمئن: "أفعل ماذا؟!".
تقول وهي تواصل ترك "خالد" في حيرته: "أنت تعرف ما الذي أتحدث عنه؟!"... يتعجب "خالد" بينه وبين نفسه قائلا: "لابد أنني نسيت عيد ميلادها!، ولكننا لم نصل إلى فصل الصيف بعد!"، ثم يتراجع إلى الخلف قليلا وهو يقول: "أنا آسف، ولكنني لا أعرف بالضبط ما الذي تتحدثين عنه؟!".
تصيح "مروة" ممسكة بورقة ممزقة: "أنت لك علاقة غرامية بأخرى، وهذا هو الدليل!".
يسأل ببراءة: "وماذا في هذه الورقة مما يشير إلى خيانتي؟". إنه واثق من براءته لأنه أولا ليس لديه أي علاقات غرامية فعلا، وثانيا لأن الورقة لا تحتوي ولو على صورة واحدة توحـي بذلك.
تصيح "مروة": "إنها فاتورة فندق أيها الخائن، ألم تصطحب امرأة إلى الفندق ودفعت الحساب ببطاقة الائتمان؟!، أنا لا أصدق أنك تفعل هذا بي!!!".
ربما يكون لهذا الأسلوب الذي اتبعته "مروة" ما يبرره إذا ما كانت على يقين مما تتهم خالداً به!، وقد لا يكون أسلوبها هو الأفضل للخوض في موضوع بمثل هذه الحساسية بين الأزواج، ولكن على الأقل فهم "خالد" سبب اتهامات وتهديدات "مروة" في النهاية له!.
في الواقع لم يكن لدى "مروة" سوى قطعة من الورق بها بعض الأرقام!، إن هذا الدليل -المتمثل في قطعة صغيرة من الورق– قد أدخل الشك إلى قلبها!. كيف يمكنها التحدث عن ظنها السيئ؟!، وهل هذه هي الطريقة السليمة لإدارة أي حوار بين زوجين متحابين متفاهمين؟!. وذكرني موقف مروة ببيتين غاية في الحكمة لأمير الشعراء أحمد شوقي حيث يقول:
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا للشك في النور المبين مجالا
والظن يـأخذ من ضميرك مـــأخذا حتى يريــك المستقيم محـالا
ومعناهما: لقد أصبح الظن السيئ متفشياً بين الناس حتى في الأشياء الظاهرة البينة والظن يسيطر على ضمير صاحبه حتى يرى الأشياء المستقيمة والخيرة مستحيلة الحدوث. فلماذا لا تظن مروة مثلاً أن زوجها قد دفع هذا المبلغ في فندق ريجنسي -على سبيل القرض- لصديق أو قريب فقد حافظة نقوده مثلاً؟!؛ ولكنه سوء الظن و الغيرة المرضية من مروة!!.
أوضح هدفك
إذا كان هدف "مروة" هو إقامة حوار صحي حول موضوع حساس (مثلا: تعتقد أن زوجها على علاقة غرامية بسيدة أخرى)، فإن أملها الوحيد هو الاستمرار في مسار الحوار ولكن بطريقة لبقة... إن هذا يمثل تحدياً حقيقياً لأي شخص يشترك في حوار صعب. (مثلا: "أشعر أنك تدقق في كل تفاصيل حياتي!، أو أخشى أن تكون ممن يتعاطون المخدرات؟!"). هذا يعني أنه بغض النظر عن أكثر هواجسـك سوءا، فلا يجب أن تتجاوز الاحترام، كما لا يجب أن تدمر الشعور بالأمان عن طريق التهديدات والاتهامات. يقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
ومعناه: أن الشخص الذي تكثر أفعاله السيئة تزداد ظنونه السيئة بالناس، بل ويصدق تلك الظنون السيئة والأوهام.
إذن ما هو الواجب فعله؟؛ أبدأ بقلبك، وفكر فيما تريده بالفعل، وكيف سيتيح لك الحوار الوصول إلى ما تريده، وما ترغب فيه؟!، عليك أن تسيطر على قصتك، وحاول أن تبحث عن التفاصيل قبل أن تطلق اتهاماتك، وعليك أن تشك في أنك قد قفزت إلى قصة مجنونة من تلك القصص التي لا طائل منها: "الضحية، والشرير، والبائس". واعلم أن أفضل طريقة لإيجاد القصة الحقيقية هي ألا تتصرف بناءا على أسوأ قصة يمكنك اختراعها؛ فهذا سيقود إلى ألعاب الصمت والعنف المدمرة للذات، ولكن فكر في تفسيرات أخرى محتملة تكون كافية لتهدئة مشاعرك حتى يمكنك العودة مرة أخرى إلى الحوار.
وحتى لو ثبت أن انطباعاتك الأولى كانت صحيحة؛ فسيكون لديك الكثير من الوقت للمواجهة فيما بعد. ما إن تبدأ بنفسك لتوفير الظروف الملائمة للحوار، يمكنك الاعتماد على خمس مهارات متميزة يمكن أن تساعدك على التحدث حتى في أكثر الموضوعات حساسية، وهي:
أشرك الآخرين في حقائقك.
أروِي قصتك.
أطلب آراء الآخرين.
تحدث بشكل احتمالي.
شجع الاختبار.
تصف المهارات الثلاث الأولى ما هو الواجب فعله، بينما تتناول المهارتان الأخيرتان كيفية القيـام به.
مهارات الحوار المؤثرة والصعبة؛ شارك الآخرين حقائقك:
إذا أعدت تخطيط مسارك تجاه المنبع فستصل عادة في النهاية إلى الحقائق.. على سبيل المثال، كان عثور "مروة" على البطاقة الائتمانية حقيقة، وعلى ذلك قامت بنسج قصة أن زوجها "خالد" يقيم علاقة غرامية مع امرأة أخرى، بعد ذلك شعرت بأنه خانها!؛ وبالتأكيد أصابتها هذه الظنون بالرعب، وفي النهاية، هاجمت "خالداً" فقالت: "ما كان علي أن أتزوجك!".. لقد كان التفاعل سريعا ومبنياً على توقعات غاية في القبح. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث".
ماذا لو كانت "مروة" قد اتخذت مسارا آخر؟! يبدأ أول ما يبدأ بالحقائق؟!، ماذا لو كانت قادرة على تأخير وتعليق القصة القبيحة التي أخبرت نفسها بها (قد تفكر في قصة بديلة)؟!، ثم تبدأ حوارها بالحقائق؟!، لماذا لم تقدم حسن الظن بأخلاق زوجها بدلاً من سوء الظن؟!، ألم يكن ذلك أكثر أمنا؟!، قد تهمس في نفسها قائلة: "ربما هناك سبب وجيه وراء كل هذا!!، لمـاذا لا أبدأ من هذا البيان المشبوه للبطاقة الائتمانية ثم أنطلق من هناك؟!".
لو كانت قد بدأت بالسؤال عن تفاصيل ذلك البيان المشبوه للبطاقة الائتمانية لسارت في المسار الصحيح!، إن أفضل طريقة لإشراك الآخر في الحقائق التي لديك هي إتباع مسار التحري عن الحقائق من أوله إلى أخره؛ ولكن ولسوء الحظ، حين يتدفق الأدرينالين (وهو أحد الهورمونات التي تُفرز بالدم في الدم وأيضا من الناقلات العصبية بالدماغ، والتي يزداد إفرازها عند الغضب) فإن ميولنا تتجه إلى القيام بعكس ذلك تماما!، حيث تستحوذ علينا انفعالاتنا الغاضبة وقصصنا الوهمية التي ننسجها من وحي خيالنا الغاضب، وبالطبع فإن هذا يمثل تناقضاً صارخاً مع الحقيقة!، ولو بدأنا بهذه الصورة فلن نتمكن من السيطرة على أنفسنا، وحتما سنقوم بتوجيه الأذى للآخرين.
إن ما يزيد الموقف سوءاً أن الاستراتيجية التي نتبعها تمنحنا شعورا بالإنجاز الذاتي!. إننا نتلهف لإظهار قصصنا السيئة لدرجة أننا نردد أشياء بطرق غير فعالة إلى حد كبير، وبعد ذلك عندما نحصل على نتائج سيئة -وهذا سيحدث لا محالة- وعندئذ نقول لأنفسنا إننا لا نستطيع أن نشرك الآخرين في آراء تنطوي على مجازفة بدون أن نخلق المشاكل!، وبالتالي فإننا في المرة التالية حينما يكون لدينا أمر على درجة من الحساسية نتردد أكثر في التعبير عنه والتحدث بشأنه، ونحتفظ به بداخلنا حيث تتراكم القصص المرعبة، وفي النهاية حين نشرك الآخرين في قصصنا الرهيبة، فإننا نفعل ذلك بعنف شديد، وتدور الدائرة مرة أخرى ونبدأ نفس البداية وننتهي بنفس النهاية من الظلم وسوء الظن!.
ما هي قصة "فندق ريجنسي"؟!
ويتبع >>>>>>>>>>> ليلة سعيدة، ولكن!!! م