ربما الحديث عن احتباس البول من زاوية نفسية يثير علامة استفهام عند القارئ وخاصة أن سلس البول في الغالبية العظمى من الحالات الطبية أسبابه عضوية بحتة. لذلك لابد من توضيح المصطلحات المستعملة في الحديث عن سلس البول.
مقدمة
سلس البول يحدث ببساطة مع عطل العملية الطبيعية لخزن وتصريف البول. بعض هذه الحالات قصيرة المدة وحادة والبعض منها حالات مزمنة تتطلب معالجة طبية مستمرة. هذه الأيام يتم استعمال مصطلح سلس البول بدلاً من احتباس البول باستثناء احتباس البول النفسي.
يتم تقسيم سلس البول كما يلي:
١- السلس الإجهادي Stress Incontinence.
٢- السلس الاستعجالي Incontinence Urge.
٣- السلس الفيضي Overflow Incontinence.
٤- السلس الكلي Total Incontinence.
اضغط لتشاهد صورة أكبر
السلس الكلي مصدره خلقي أو جروح النخاع الشوكي، ويحدث كذلك مع وجود ناسور في المثانة. السلس الإجهادي يحدث بسبب عدم قدرة الإحليل على منع تدفق البول من المثانة مع زيادة الضغط وهو كثير الملاحظة في الإناث بسبب جروح بعد الولادة والعمليات الجراحية ومرض باركنسون والتصلب المتعدد.
أما السلس الاستعجالي فمصدره مشاكل عضلة المثانة المعروفة بالنافصة Detrusor وعدم قدرتها على الاسترخاء. رغم أن ذلك يحدث بسب أمراض عصبية ولكنه كثير الملاحظة أيضاً مع الإسراف في الشاي والقهوة والإمساك وكذلك عدم شرب الماء بكفاية مما يؤدي إلى زيادة تركيز البول وتأثيره على العضلة. أول ما يفعله الطبيب في هذه الحالة هو التأكد من عدم وجود التهاب المجاري البولية السفلى.
في الوقت الذي يحدث فيه السلس الاستعجالي بسبب عدم قدرة العضلة النافصة على الاسترخاء نرى السلس الفيضي الناتج من احتباس البول يحدث بسب عدم قدرة العضلة على التقلص كلياً. يحدث ذلك أيضاً بسبب أمراض الأعصاب الموضعية ولكنه أكثر شيوعاً مع تضخم البروستات وحصى المثانة وأحيانا الإمساك الشديد.
العقاقير كسبب للسلس في جميع الحالات أعلاه ومنها:
١- مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACE Inhibitors.
٢- المهدئات.
٣- مضادات الاكتئاب.
٤- المدرات Diuretics.
أما سلس البول الليلي أو اضطراب البوال Nocturnal Enuresis فهو حالة طبية حميدة في الغالبية العظمى من الأطفال وتتعلق بحساسية المثانة وسعتها ونضوج الأعصاب الموضعية. لا تحتاج إلا إلى عدم الإسراف في شرب السوائل ليلا وتدريب الطفل للتبول في أوقات معينة وإيقاظه من النوم لتفريغ المثانة. بعضهم يحتاج إلى عقار أو منبه. إذا ظهرت الحالة بصورة مفاجئة في الطفل بعد فترة زمنية طبيعية فعند ذاك يتم استعمال مصطلح سلس البول الثانوي فيجب التأكد من عدم وجود مشاكل طبية أو نفسية مثل تعرضه للتنمر في المدرسة.
اضغط لتشاهد صورة أكبر
احتباس البول النفسي
في هذه الحالة يسعى المريض ويتعمد احتباس البول ويتحمل الألم. تتحول الممارسة إلى سلوك متكرر والبعض منهم يتوجه نحو المستشفى للعلاج الطارئ. يتم فحص المريض وعمل الفحوص الطبية المختلفة من إشعاعية وغيرها ولا يعثر أحد على سبب. لا يقر المريض بسلوكه ويدعى دوماً بأن هذا الاحتباس حدث بصورة لا إرداية رغم أنفه.
يتحول السلوك في البعض منهم إلى عادة مزمنة تؤدي بالنهاية إلى تدمير العضلة الناصفة واستعمال المريض للقثطار Catheter بصورة مزمنة. الحقيقة لا يجد الطبيب أحيانا أمامه سوى وصف القثطار لمريضه وما يثير عجبه هو عدم شكوى المريض من مثل هذه العملية التي لا تخلو من الألم.
الأسباب
أسباب الاحتباس البولي في الأطفال مصدرها التهاب موضعي لا يصعب علاجه ولكن احتباس البول النفسي ليس بغير المعروف ويثير الشك بأن الطفل (الطفلة خاصة) ضحية تحرش جنسي. يجب التعامل مع هذه الحالات بحكمة والاستعانة بالجهات الاجتماعية الحكومية الخاصة.
أما الأسباب في البالغين فهي أكثر غموضاً في بعض المرضى وخاصة المجموعة التي ترفض استشارة طبيب نفساني. من الأسباب كثيرة الملاحظة في الممارسة المهنية ما يلي:
١- الفصام.
٢- الهيستريا أو الاضطراب التحولي Conversion Disorder.
٣- الاضطراب المفتعل أو المصطنع Factitious Disorder .
٤- اضطراب الشخصية الحدية .
٥- التمارض Malingering .
الفصام لا يصعب تمييزه واحتباس البول مصدره معاناة المريض من من ظاهرة الاستسلام التأثري Passivity في المنطقة التناسلية. يشكو المريض من أحسايس غريبة وهلاوس حسية في المنطقة ذاتها، وهناك من يستجيب للأصوات التي تأمره بعدم التبول. يستجيب المريض للعلاج مع استعمال مضادات الذهان.
اضغط لتشاهد صورة أكبر
أما الأسباب الأربعة الأخرى فهي متداخلة بعضها مع البعض الآخر. المريض الذي يعاني من اضطراب الشخصية الحدية يعاني أيضاً من صفات هستيرية شخصية، والمصاب بالاضطراب المصطنع لا يصعب اكتشاف صفات شخصية هستيرية وحدية فيه، والجميع أحياناً يتهمهم الطبيب أو من ينوب عنه بالتمارض.
مفاهيم التمارض والهيستريا والمصنع
هذه المفاهيم متداخلة مع بعضها البعض وجميعها تستند على نظريات أو بالأحرى فرضيات نفسية. ترتبط هذه المفاهيم أو الاضطرابات على قاعدة كثيرة الاستعمال في الطب النفسي وهي المكاسب. ما يعنيه ذلك أن هناك مكاسب للمريض من جراء الأعراض الطبية ويتم تقسيم هذه المكاسب أحياناً إلى مكاسب أولية مثل التخلص من القلق والتنافر وثانوية مثل العطف والحنان. في نهاية الأمر يستنتج من يرعى المريض أو يعالجه حصول المراجع على ثلاثة احتياجات مشروعة وهي:
• العطف.
• الحنان.
• الانتباه.
ولكن الحقيقة هي أن هذه الاحتياجات والمطالَب لا تقتصر على هذه المجموعة من المرضى إنما كل من يعاني أو لا يعاني من مرض عضوي أو نفسي.
اضغط لتشاهد صورة أكبر
لا أحد يستعمل مصطلح الهستيريا هذه الأيام والمصطلحات البديلة متعددة وأشهرها التحول Conversion، والسبب يعود في ذلك إلى أن المصطلح إسقاطي والمفهوم بحد ذاته لا يساعد المريض أو من يعالجه وقد يكون سبباً لعدم تشخيص مرض عضوي بسرعة. يتم التمييز بين هذه المصطلحات مع استعمال قواعد سريرية لا يسهل تطبيقها أحياناً كالآتي:
الهستيريا: عملية غير واعية والمكاسب ظاهرة للعيان.
المصطنع: عملية غير واعية والمكاسب غير ظاهرة للعيان.
التمارض: عملية واعية والمكاسب ظاهرة للجميع ومخالفة للقانون.
المسار الطولاني لاحتباس البول النفسي
لا توجد دراسات يمكن الاستناد عليها في تخمين تطور هذه الحالات. التشخيص بحد ذاته والتمييز بين ما هو اضطراب هستيري، مصطنع، شخصية حدية، أو حتى التمارض لا يساعد. السلوك بحد ذاته يثير الدهشة وتحمل المريض لهذا الألم لا يسهل تفسيره. المتمارض يهرب من المراكز الطبية بعد كشف احتياله، وتدهور علاقةالمجموعات الثلاثة الأخرى بالمراكز الصحية لا يصعب تفسيره. ربما هناك من يستبدل هذا السلوك بسلوك طبي آخر أو يتحسن أو يستسلم لأزماته النفسية المعقدة. دخول هؤلاء المرضى في علاج نفسي يأتي عن عدم قناعة وتتوقف عملية العلاج بعد فترة. استجابتهم للعقاقير الطبية النفسية هو الآخر بعيد عن القناعة. وأخيراً لا أحد يعلم إن كان السلوك بحد ذاته دفاعاً نفسياً لمواجهة عملية ذهانية تختفي خلف ستار أعراض جسمانية يتم صياغتها في إطار عصابي. وكاتب السطور على علم بحالتين ظهرت أعراض الفصام الواضحة بعد أكثر من عشرة أعوام.
واقرأ أيضًا:
علم الأمراض الجلدية النفسي4 Psychodermatology4 / حبس البول، أفلام السحاق ؟ أم إدمان الاسترجاز ؟ / الصحة النفسية في الحمل والولادة والرضاعة4