مفهوم التأثر أو الانطباع كثير الاستعمال في الحياة اليومية ويعكس دوماً درجة من الضعف والحساسية في آن الوقت لاكتساب الإنسان لمفاهيم وسلوكيات جديدة يتم استيرادها من الآخرين في البيئة التي يتواجد فيها. استعمال المصطلح دوماً يشير إلى درجة من الضعف Vulnerability وحين تراجع البحوث النفسية والاجتماعية يصعب التمييز بين مفهوم استعداد الإنسان للاستغلال من قبل الآخرين وقابليته للتأثر بسلوك الآخرين وهذا ما يسميه البعض التأثرية Impressionability.
المفهوم بحد ذاته وفي مختلف الأبحاث النفسية والاجتماعية يكاد يكون مقتصراً على المراهقين والأحداث، ولذلك يتحدث البعض عن أعوام التأثر والانطباع والإعجاب Impressionable Years للتمييز بين أعوام المراهقة ودخول الإنسان مرحلة البلوغ. أعوام التأثر أو الانطباع تتميز بمرونتها وانفتاح الإنسان على الآخرين وبالتالي يكشف استعداده لقبول مفاهيم وسلوكيات جديدة.
نموذج التأثرية
هناك عوامل عدة تلعب دورها في استعداد الإنسان للتأثر بالآخرين والبداية هي البيت الذي ينشأ فيه وتعلقه بالوالدين والآخرين الذين يشرفون على رعايته. بعد ذلك هناك البيئة التعليمية الأولية واتصاله بطاقم التعليم الذي يشرف عليه. التأثرية بدورها مفهوم يعكس حساسية الإنسان مقارنة بغيره واستعداده للتأثر بالآخرين. كذلك يعكس المفهوم استعداد الإنسان للتغير عكس غيره، ولكن هناك من البشر الذي يتميز بعجزه عن التغيير.
التأثرية لا تشمل فقط اكتساب سلوك جديد غير صحي مثل استعمال المواد الكيمائية المحظورة في أعوام المراهقة والإدمان على الكحول والمخدرات. هذه السلوكيات الجديدة هي التي تثير فضول العاملين في الصحة النفسية الاجتماعية في أعوام المراهقة. هناك من يكتسب سلوكيات وآراء إيجابية أيضاً.
التأثرية كذلك تتعلق باكتساب الإنسان لآراء جديدة ومفاهيم غير التي اكتسبها في بيئة أخرى. الإنسان الذي ينتقل من بلد إلى آخر يواجه تحديات جديدة ويتأثر بسلوكيات الآخرين في المجتمع الجديد أو مجموعة جديدة ينتمي إليها من المهاجرين من بلده الأم.
يمكن صياغة اكتساب سلوك أو رأي الجديد في الحديث عن تحوير سلوك أو رأي قديم، وكل ذلك يعتمد على استعداد الإنسان للتغير أو عجزه وحساسيته للاتصال بالبيئة الجديدة أو الآخرين.
عالم اليوم والصحة النفسية الاجتماعية
استعداد الإنسان للتغير. وتأثره بالآخرين أكثر تعقيداً هذه الأيام. لا يقتصر اتصال الإنسان بالآخرين على البيئة التي يتواجد فيها وإنما يشمل ذلك عامل الإنترنت. ما لا يقل عن ٩٥٪ من الشباب يحملون الهاتف الجوال الذي يسهل لهم الاتصال بعالم الإنترنت في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى برامج اتصال متعددة تضم مجموعات عدة الصغيرة منها والكبيرة. لذلك ليس من المبالغة اليوم أن تلاحظ استعداد الإنسان للتأثرية والانطباع واستعداد للتغير في مختلف مراحل العمر.
ليست جميع السلوكيات الجديدة التي يكتسبها الإنسان سلبية بل العكس هناك من يتخلص من سلوكيات قديمة غير صحية في مختلف مراحل العمر. هناك من السلوكيات ما هي حميدة تتعلق بالسلوك الاجتماعي.
التأثرية تلعب دورها الآن في تغيير سلوك البشر حول رعاية البيئة والحد من إطلاقات الكاربون Carbon Emissions. كذلك ليس من الغريب أن تلاحظ أعراض الإنسان عن أكل اللحوم والتحول إلى تغذية نباتية.
ولكن التأثرية تلعب دورها أيضاً في اكتساب الإنسان لسلوكيات غير صحية وخاصة في إيذاء النفس Self-Harm Behaviours واضطرابات الأكل المتعددة وخاصة القهم العصبي. هناك برنامج على الهاتف الجوال باسم Kik الذي يستغل الأحداث بل ويشجعهم على خفض الوزن ويدفعهم باتجاه القهم العصبي.
التأثرية لها دورها في مختلف الأحداث السياسية التحديات التي تواجه المجتمعات البشرية في مختلف أنحاء العالم ومنها العالم العربي وأحداثه السياسية.
واقرأ أيضاً:
رعاية الدماغ : بين الوقاية واللدونة العصبية / سبه (خرف) ألزهايمر Alzheimer's Dementia