تتشعب معاني الاتزان حسب الزاوية التي نود أن يكون فيها الكلام، أو الزاوية التي تنظر من خلالها النفس لمعنى الاتزان ورؤيتها لكيف يمكن لها أن تحقق معنى الاتزان داخلها، وفي هذا المقال .. وددت أن يكون الحديث في الاتزان غائرا وغائصا في أعماق الذات أولا، لأن الذات هي الميزان الذي يقدّر ويقرر، فإذا كان الميزان مضبوطا كانت التقديرات كذلك؛ فالذات هي الركيزة التي يرتكز عليها جل المعاني، والتي منها الاتزان.
* الاتزان أولا.. أن تدرك القيمة التي لذاتك على إدراك متعالي ينظر بتجرد للذات الإنسانية فيعطيها القيمة والتقدير لكن على حقيقتها فلا يحدث انحراف أو شطط.
أي: أن تدرك أنك شيء مميز في الوجود، بل ومن أعظم الأشياء التي فيه، فأنت "إنسان : عاقل، مفكر، واعي، متكلم".
الإدراك للذات على هذا النحو يجعلك تتنفس جمال الوجود، ومن فاته تنفس جمال الوجود، فقد فاتته الحياة حتى وإن عاشها طولا وعرضا .. لا يمكن أن تتنفس جمال الوجود إن انحرف معنى القيمة بالوجود داخل الذات نحو معاني الشعور بالعظمة أو الشعور بالقدرة المطلقة، هذه المشاعر تُحدث خللا عظيما داخل النفس إن لم يعرف الإنسان كيف يوقفها ويجفف منابع هذه المشاعر من مصادرها التي تنبع من الأنا ومن الأوهام.
أعظم خلل تصنعه هذه المشاعر المنحرفة والمشطة هو صُنْعُ حوائل بين الإنسان وبين نفسه، وبين الإنسان وبين تذوق جمال الوجود، ثم في مراحل متقدمة يصل هذا بصاحبه إلى انتفاخات بالغة، وتُخْمات متحجّرة يصبح من الصعب جدا معها ضبط الخلل الذي اتسع واتسع وبلغ من صاحبه مبلغا، إلا أن تكون له إرادة شاهقة توازي ما صار من خلل ومضاعفات ومن قبلُ حدوث إدراك لأن هناك خللا أصلا، فيصبح الإنسان مُرْهِقًا ومُرْهَقًا، مُرهِقا لمن حوله، ومُرهَقا ممن هم حوْله، لأن دوائر كليهما في تعاطيهما مع ذواتهما ومع الواقع مختلفة تماما.
لذلك فإن أعظم حسنة يفعلها الإنسان لنفسه هو أن يُكسبها معاني الاتزان، وأن يصرف جهده عليه، حتى يضحي نظاما أساسيا وقاعدة متينة ترتكن إليها ذاته في التعامل مع ذاته أولا، ثم في التعامل مع المواقف والمستجدات والواقع، حتى يتسنى لروحه أن تتنفس، وأن تتذوق ذاته جمال الوجود والحياة.
"كن إنسانا لتتنفس جمال الوجود"
واقرأ أيضاً:
إن الشعر أمُّ