العجيب في أمرنا أن مفكرينا يساهمون في تعجيزنا وتقنيطنا، فتراهم يبررون واقع الحال على أنه تحصيل حاصل، ومن ذرائعهم العجيبة أن رئيس وزراء بريطانيا (كامبل نيرمان) عقد مؤتمرا سنة (1907)، وقرر كذا وكذا، و(وستن تشرتشل) عقد مؤتمر القاهرة سنة (1921)، وقرر كذا وكذا، وبسبب ما تقدم الأمة تعاني ما تعانيه.
فهل هذا تفكير سليم؟
إن العلاقات الدولية تخضع لشريعة الغاب وإن تبرقعت بما تريد الظهور به، والدول تفكر بمصالحها وتسعى لتأمينها بشتى الوسائل والتفاعلات، وتخوض حروبا شرسة من أجلها، وهكذا تسمعون في الخطابات أن القرارات الصعبة تكون مقرونة بالحفاظ على المصالح الوطنية.
ولا توجد دولة ضعيفة لم تتحول إلى فريسة لدولة قوية، فالقوي يأكل الضعيف، وتلك سنة التفاعلات الدولية، وما تبدلت بل أساليبها تطورت وتعقدت.
ومن غرائب دول الأمة أنها لا تفكر بمصالحها وتدافع عنها وتؤمنها، ولا تتعاون بينها للوصول إلى اتحاد اقتصادي أمني ودفاعي مشترك، للحفاظ على سيادتها وصيانة دولها من العدوان الخارجي، والقول المتداول عبر الأجيال، ومعناة القوم التي تتعاون لا يصيبها الذل، ووصية (المهلب بن أبي صفرة) لأولاده: " تأبى العصي (الرماح) إذا اجتمعن تكسرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا".
العيب فينا ونلوم الآخرين الذين يفكرون بمصالحهم، فنلقي باللائمة على الدول الإقليمية والعالمية، وننسى أنفسنا وما نفعله لإضعاف دولنا، فالإنسان في دول الأمة، مهضوم مقهور بائس فقير، يئن من الظلم والجور القبيح، ولا ينال حقوقه الإنسانية، ومحكوم بإرادة السمع والطاعة، وعليه أن يعيش في فقر مدقع لتفتح له أبواب جنات النعيم.
مواطن بلا إرادة ولا عزة ولا كرامة، والإعلام بأنواعه موجه ضده لتمرير تطلعات الكراسي الآثمة المصادرة لوجوده، والسارقة لثرواته والعاملة على حرمانه من مقومات العيش الكريم.
والمفكرون مثل "وعاظ السلاطين"، يجتهدون في تمويت الشعب، وتفريغه من شحنات القوة والاقتدار، ويوهمونه بالتبعية والدونية والخضوع لإرادة الآخرين، فيساهمون بتأمين مصالح الطامعين في البلاد والعباد، وكأنهم يتآمرون على الأمة!!
فهل يصح ما يدّعونه، فيحسبون الدنيا ساحة أمن وسلام، ويغضون الطرف عن حقائق واضحة للعيان، كأنهم يبحثون عن دليل لإثبات وجود النهار!!
واقرأ أيضاً:
المصطلحات والمعطيات! / الحرب في أوكرانيا إلى أين؟