كان الشرط الثامن في المادة 1 من شروط الترشح لرئاسة الجمهورية في قانون انتخابات رئاسة الجمهورية "ألا يكون المرشح مصابا بمرض بدني أو ذهني يؤثر على أدائه لمهام رئيس الجمهورية". وفي هذا المقال سنركز على معنى مرض ذهني (التي جاءت مجملة في القانون), حيث يتطلب خلو المرشح من الاضطرابات والآفات النفسية التي تؤثر على أدائه في هذا المنصب الهام, وهذه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة عناصر: الاضطرابات النفسية, واضطرابات الشخصية, والاضطرابات العضوية المؤثرة في الحالة الذهنية. وفيما يلي بعض التفصيل:
• أولاً ضعف الحواس : مثل ضعف النظر وضعف السمع , فهما مدخل المخ للمعلومات ووسائل إدراك الواقع المحيط
0 ثانيا الاضطرابات النفسية: ونذكر منها:
1 – الاضطرابات الوجدانية, مثل الهوس وما تحت الهوس, والاكتئاب, وهي اضطرابات تأتي في صورة نوبات اضطراب في المزاج على فترات يكون بينها الشخص في حالة تبدو طبيعية أو شبه طبيعية خاصة إذا كان يخضع لنظام علاجي, ولكن المشكلة هي أن تعرض الشخص لتقلبات مزاجية تتناوب بين المرح والانقباض تؤثر على ثباته الانفعالي وبالتالي على قراراته ومواقفه فهو أثناء نوبات المرح (الهوس وماتحت الهوس) يميل للمغامرة والمخاطرة والاندفاع واتخاذ قرارات سريعة وعمل صفقات غير مدروسة, ويكون إحساسه بذاته متضخما وتقديره للعواقب ضعيفا, أما في حالات الانقباض فيكون مترددا خائفا منكمشا حزينا زاهدا فاقدا للثقة بنفسه وفاقدا للقدرة على التفكير والعمل.
2 – الاضطرابات الذهانية, مثل الفصام والاضطراب الهذائي (الضلالي) ومشكلة هذه الأمراض أنها تحمل خللا في الإدراك والتفكير بدرجات متفاوتة تعتمد على شدة المرض وعلى شخصية المريض وعلى العلاجات المستخدمة وتأثيرها على المرض, فقد يبدو الشخص شبه طبيعي في حالات هوادة المرض ولكن في حالات الاشتدادة تظهر لديه هلاوس (سمعية غالبا) وضلالات (معتقدات خاطئة غير قابلة للتصحيح وغير ملائمة لثقافته وخلفيته الاجتماعية) مثل ضلالات العظمة أو الاضطهاد أو المراقبة أو غيرها, وهذه الهلاوس والضلالات توجه سلوكه الشخصي والعام, وقد لا يصرح بها لمن حوله ولكنه ينطلق من خلالها في قراراته وسلوكياته.
3 – اضطرابات التحكم والسيطرة, وهي تعني نوبات من الغضب والاندفاع, أو سلوك المقامرة, أو السرقة القهرية, أو سلوك إشعال الحرائق.
4 – الإدمان بكل صوره وأنواعه, مثل إدمان المخدرات أو إدمان القمار أو إدمان الجنس, إذ يجعله إدمانه في حالة ضعف واحتياج ملح لما يدمنه.
5 – اضطرابات الوسواس القهري, سواء كانت في الأفكار الملحة أو الطقوس الوسواسية, إذ يؤثر ذلك في قدرته على التفكير السريع وعلى الإنجاز حيث يشكل الوسواس قيدا وحصرا وإعاقة فكرية وسلوكية.
0 ثالثا اضطرابات الشخصية: ونذكر منها:
1 – الشخصية البارانوية, وهي شخصية يتميز صاحبها بالشك وسوء الظن والتعالي والشعور بالاضطهاد, والنظر إلى الآخرين باحتقار, والاستبداد بالرأي والتسلط وحب السيطرة والإحساس بأن ثمة مؤامرة تحاك ضده طول الوقت وأن الآخرين أوغاد لا يوثق بهم.
2 – الشخصية النرجسية, ويتميز صاحبها بالشعور بالتفرد وتضخم الذات والعظمة والأنانية وأنه محور الكون ومركز الأحداث وأنه أهم من أي شيء وعلى الجميع أن يسمع له ويطيع ويحقق رغباته ويدور في فلكه, وقد تتضخم ذاته حتى تبتلع الوطن.
3 – الشخصية السادية, وهي شخصية تستلذ بتعذيب الآخرين وإيلامهم وتميل للقسوة والقهر والتحكم.
4 – الشخصية الحدية, وتتميز بتقلبات مزاجية كثيرة وتقلبات في العلاقات وعدم القدرة على إتمام شئ أو الاستمرار حتى النهاية, والميل نحو الكآبة وإيذاء الذات وتعاطي المخدرات.
5 – الشخصية الهستيرية, وهي شخصية استعراضية درامية تسعى لجذب الاهتمام بالمظاهر الخادعة والمبالغات, وهي شخصية هشة سطحية خادعة ومخدوعة تعد ولا تفي, تغوي ولا تشبع.
0 رابعا الاضطرابات العضوية المؤثرة في الحالة الذهنية: ومنها:
1 – اضطرابات في المخ تؤثر في وظيفته مثل الصرع والالتهابات والأورام وآثار الحوادث والعمليات الجراحية التي أدت إلى تلف في بعض مراكز المخ أو في تغير لوظائف الذاكرة أو التفكير أو التحكم أو الانفعال.
2 – اضطرابات جهازية تؤثر في وظائف المخ كمرض في الكبد أو الكليتين أو أي مصدر للسموم الداخلية أو الخارجية تصعد إلى المخ وتؤدي إلى اضطراب عمله.
والمشكلة التقنية في اكتشاف هذه الاضطرابات النفسية أن بعضها قد لايظهر في وقت الفحص خاصة تلك الاضطرابات التي تحدث بشكل نوابي يتحسن فيها المريض على فترات بتأثير العلاج أو حتى بدون علاج, لذلك لابد من مراجعة التاريخ الطبي النفسي الطولي للشخص المرشح للرئاسة من خلال متابعة سجلاته الطبية وتاريخه المرضي منذ طفولته وحتى تاريخه خاصة لو كانت تلك السجلات موجودة في المدارس والجامعات التي تعلم فيها وفي أماكن العمل, ويطالب بتقديم إقرار يفيد بأنه لم يخف عن اللجنة العليا للإنتخابات أي أمراض يكون قد أصيب بها في أي مرحلة من مراحل حياته.
وقد يستغرب البعض هذا التدقيق حول الصحة النفسية للمرشح, ولكن التجارب الحالية والتاريخية تثبت أن كثيرين من الرؤساء والقادة والزعماء أثرت حالتهم النفسية وتشوهاتهم الشخصية في قراراتهم وسببت كوارث لهم ولشعوبهم وللبشرية كلها خاصة في تلك الدول التي تشكل شخصية الرئيس محور ارتكاز للأحداث, وتتراجع أمامه مؤسسات صنع القرار الأخرى هيبة أو خوفا أو قهرا أو اضطرارا.
واقرأ أيضاً:
لماذا يقتل المصريون رؤساءهم ؟ / الترويج السياسي تحت مظلة الخوف / الزعيم الملهم / الأثر النفسي للقفص الزجاجي / التقييم النفسي لمرشحي الرئاسة