العيب ليس في تأريخنا، وإنما في جهلنا له، فنحن أجيال أمة مقطوعة عن جوهر تأريخها وينابيع أنوارها، ونتوهم بأننا جذوع نخيل خاوية إجتثت من عروقها.
وعلينا أن نعتذر من تأريخنا الذي أهملناها، وتراثنا الذي أهناه، فهل لنا أن نستفيق من غينا وأميتنا الحضارية الفاعلة فينا؟
هل لدينا القدرة على مد جسور التواصل الإيجابية والتآخي مع تراثنا المنيف؟
الهجمة على التأريخ بدأت منذ القرن التاسع عشر، وهي مبرمجة لعزل الأمة عن جذورها، وقد أبدعت بعض أقلام الأمة في الهجمة، وكذلك بعض المستشرقين الذين حاولوا سلخها من جوهرها ونزع جلدها.
واليوم تواجه الأمة حربا ضارية ضد تأريخها، وجهودا حثيثة لتحويله إلى عثرة ومعوق، وذلك باستخدام الدين كوسيلة لتدميرها، واقتلاع قيمها ومعاييرها الأخلاقية والسلوكية، ذات المعاني الحضارية الرائدة.
وتحقق تجنيد العديد من أدعياء الدين التابعين لأعداء الأمة، لترويض الناس وخداعهم وتضليلهم وسوقهم إلى غايات مناهضة لوجودهم ومسيرة انطلاقهم المعاصرة، وها هي في ذروة نشاطاتها وتسويقها وتمويلها، وتسليحها للنيل من إرادة أمة يجب أن تكون.
هؤلاء المنسوبون إلى الدين، لا يعترفون بوطن وبمواطن وبمواطنة، وإنما ديدنهم الاستحواذ على مصير المواطنين، وترويعهم وتجريدهم من منطلقات الحياة الحرة الكريمة، ورهنهم بالتبعية والخنوع والهوان، والقبول بحياة القطيع الراتع في الضيم والنكد السقيم.
والعجيب في الأمر أن الرموز الممثلة للدين تساند سلوكياتها فعلا وتناهضها قولا، وتجرد نفسها من المسؤولية، وتحسب أن ما يتحقق ضد المصلحة العامة، لكنها لا تفعل ما يساهم بتعزيزها، وغاية ما تتفضل به هي الأقوال الوعظية الباهتة للخداع والتضليل، وفي قرارة نفسها راضية عما يحصل في البلاد وما يطال العباد من القهر والاستعباد، لأنها غنمت الدنيا والآخرة، وصار لها جاه وسلطان، وصوت في تقرير مصير الأحوال.
فهل من تفاعل إيجابي مع التأريخ، وطرد لأعدائه المتظاهرين بدين؟!!
واقرأ أيضا:
الغيبوبة الاقتصادية!! / عودة الأمة!!