ماضي زوجتي وعصبيتها الشديدة
السلام عليكم ورحمة الله
أنا حديث عهد بالزواج. كنت قد اكتشفت أن زوجتي كانت تكلم شبابا بقصد الزواج لكن في حدود الأدب وانقطعت عن ذلك بعد العقد عليها بأيام من خلال ما اكتشفت من تاريخ المراسلات الذي كانت آخر رسالة فيه تخبره أنها تزوجت لينقطع التواصل بينهما.
لكن الأمر ظل يشوش تفكيري ويشعرني بخيبة أمل وحزن خاصة أنها فتاة ملتزمة. كما أعاني من إشكالية أخرى وهي عصبيتها الشديدة والتي تجعلها تتلفظ بعبارات قاسية في حقي وفي حق أهلي. فأتلمس لها العذر كونها أخبرتني أنها في حالة العصبية هذه لا تستطيع تمالك نفسها، وأن هذا الأمر كان ملازما لها منذ فترة طويلة حتى مع أهلها، كانت تصرخ في وجههم إذا كانت في هذه الحالة من العصبية.
لكن رغم ذلك عندما أتذكر تلك العبارات أصاب بالإحباط والحزن إضافة إلى ما عرفته عن ماضيها من حديثها مع شباب. الأمر الذي أصاب أحيانا بأفكار سلبية تحاصرني وإحباط وحزن وشعور سيء ينتابني.
أريد منكم نصائح واستشارات تفيدونني بها في هذه الأمور.
جزاكم الله خيرا
9/9/2019
رد المستشار
السلام عليكم ومرحبا بك على موقعنا.
مبارك لك الزواج أولا.
وثانيا، يجب أن تعلم أن كل التجارب والأفكار التي ترِد على النفوس تُعالج بطريقة مختلفة عند كل فرد، حسَب ميولاته وسماته الشخصية، وهي تكون حاسمة أكثر من دينِ أو توجه الإنسان، بمعنى أنّك لو كنت شخصية حساسة ووسواسية تميل للمثالية وتصور "طاهر وخالص" لشريكة الحياة وللفتاة "الملتزمة الفاضلة" بالخصوص، سيكون تعاملك معها وتصوّرك لها متأثّرا أكثر بشخصيتك لا بتديّنك أو ما يُمليه عليك دينك وتُمليه ثقافتك...
لنتصوّر قليلا موقفا حصل لزوجتك، زوجة كان لها علاقة برجل ما، ثم تابت أو أسلمت، نعلم كلّنا أنها كمن لا ذنب لها، وأنها قد تكون فاضلة أكثر ممن لم تفعل شيئا (كحديث التي تابت توبة لو وُزّعت على أهل المدينة لكفتهم) أو أكثر من زوجها نفسه، من وجهة نظر مؤاخذة الدين لها: لا شيء، لكن من جهة نفسيتك أنت لو علمتَ ذلك فلن تتقبله فيها، فهمتَ عليّ؟ هذا لنحصُر المشكل في نظرتك وشعورك النفسي،
بعيدا عن "كانت تكلّم شبابا" في سياق أنّها ملتزمة ويُفتَرضُ فيها العكس (أي أن دينها يأمرها بذلك) وهذا ما ساءَك، قد لا تكون هذه فكرتُك، وأنّك اخترتَ ملتزمة تفترض فيها النقاء الخالص لأنّك تعرف أنّك لا تقبل ولو بشيء قليل من زوجتك ولو كان من ماضيها بغض النظر عن حُكم الدين فيها، وهذا من حقّك وشيء صحّي تحترم فيها حاجياتك النفسية ومتطلباتك.
لكن أشرتُ لهذه النقطة تحسّبا وحتى نفهم في أي جبهة من المعارك نحن فلا نتيه في أحكام أخلاقٍ وفضيلة وما نحن إلا أمام نفسية قلقة شعرتْ بإحباط من تحطّم صورة مثالية كانت تراها في الزوجة المستقبلية.
نأتي على شعورك بالإحباط لما علمتَ أنها كانت تُكلم شبابا من أجل التعارف والزواج في حدود الأدب.. أهذا في شيء؟ أظنّ أنّك ستجيب في الغالب ب"لا" لذا قد تكون المشكلة هي اقتحام أفكار وسواسية تذهب بك أبعد من حديث مؤدب، تتخيلها تتحدث بأدب لكنها بعد فترة تتجاوزه وتقوم بتنازلات، وقد نال منها رجل أو رجال منها ما لا تريدهم أن ينالوه، ضحكة أو ابتسامة أو كلمة مدح!
ثم كيف قرأت رسائلها؟ أهو تجسس أم سمَحَتْ لك برؤيتها؟ وفي الحقيقة كلا الأمرين عجب، سواء أنت كمتدين تتجسس على رسائل خاصة وقد كانت من ماض أنت لم تكن فيه ولا يحق لك مساءَلتُه.. وسواء هي التي عرضتْ عليك رسائلها (على فَرَض) لتبيّن لك براءتها ونقاءها أيضا! وهي غير مطالبة بذلك أبدا، خصوصا مع رجل شرقي يرى أن كل شيء مهما كان صغير وطبيعيا قد يطعن في فضيلة وشرف المرأة! وهنا تظهر حكمة "لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكُم تسُؤْكم" ربما ليس لأنها سيئة في حدّ ذاتِها، بل لأنّ نفوسنا لن تتحمّلها أو ستخلق صراعا كالذي خلقتْ عندك.
فهل تعلم ماذا يحصل عندما يتزوج رجل بامرأة ويبدأ بمحاسبتها على ما مضى، طبعا سنتجاوز نقطة أن الرجل هو الذي يحاسِب على الماضي وليس المرأة! الذي يحدُث أنّه بعد الزواج يُفكر الرجل بطريقة عجيبة أنّ زوجته كانت تعرفه دائما وأبدا وتعلم أنّه من نصيبها، فيرى أنّ ما فعلتْه يُعتبر طعنا فيه وخيانة له بشكل لا شعوري، وينسى أنّه هو نفسه قد يكلّمها قبل الزواج لهذا الغرض، ويفتحان باب تواصل محترم وجاد، إلا أن الفرق هو أنّ علاقتهما انتهت بالزواج على خلاف من كان قبله...
فلماذا يفترض أنّها يجب أن تنتظر دون تواصل ولا احتكاك اجتماعي مع الرجال وكأنها تعلم الغيب وتعلم أن في الشهر الفلاني سيأتيها فلان يتزوجها!! يبدو هذا غير منطقيا لكن هذا ما يحصل بشكل أو آخر.. وإلا لقال الرجل مع نفسه ببساطة، هي لم تكن تعرفني وليس هناك أي إشارة بتقدم أحد لها لذلك سعت واتخذت أسبابا لائقة لا تُخرجها عن كونها امرأة شريفة وفاضلة ولو افترضتْ بأن هناك من سيتقدم لها دون هذه الحوارات والرسائل ربما ستعتمد على مجرد وهم..
المهمّ هنا أن تصورك عن المرأة الملتزمة الشريفة التي تتقوقع في مكانها وتمكث في فقاعتها من عند أبيها لعند زوجها كما تُروّج الأساطير الأخلاقية، فلا ترى ولا يميل قلبُها ولا تهش وتبشّ إلا لزوجها، زوج هو "عدم" في حقّها لا وجود له.. لكنّه عندما يوجد يستدعي (هو) وجودَه في سنوات انعدامِه أيضا ليحاسبَ ويؤاخذ امرأة لم تكُن تعلم بوجوده الحاضر أو المستقبلي! يبدو هذا وكأنه قصة تخرج من كتاب عبثيّ، لكنّها حقيقة بعض الممارسات الاجتماعية عندنا.
لا تفهم من كلامي أنني ألومك.. أبدا، فنحن كلّنا ضحايا لهذه التنشئة الاجتماعية التي تجثو على سعادتنا وانطلاقنا وراحتنا.
تخلّص من نظرة الطُّهر الخالص في المرأة تتخلص من كثير من المتاعب، وقس حالك على حالها، لو اطّلعت على بعض ما قد يسوؤها ويُحبطها ويكسّر نظرتَها بخصوصك، لا بد أنك قد فعلتَ أشياء لا تفتخر بها أمام زوجتك ولا تُمثّل صورة المتدين في ذهنها، لتعلم أنّ الكل يمر بتجارب "تخالف النقاء" الذي يصبو إليه، فهل من العدل والمنطق أن نؤاخذ الآخرين حتى لو كانوا شركاءنا على عدم ثبات أقدامهم على أرض النقاء والصفاء الوهمية حقيقية!؟
بالنسبة للعصبية، هذه أراها مشكلة حقيقية بمعنى الكلمة، لأنّها ستؤثر على جو الصفاء في بيتكما، وخصوصا ستؤثر على الأطفال وتربيتهم، أمّ عصبية (أو أب) سيفرّغ عصبيّته بطُرق مختلفة في الأجواء الأسرية، والمصيبة أن كل الأخطاء التربوية والانتهاكات ستكون بحجة "لا أستطيع أن أملك نفسي" ولا شك أن الأمر صعب لمن لم يعمل على نفسه ولا اتبع علاجا ولا اكتشف أسباب عصبيته.
لذا أنصحك أن ترى في زوجتك المرأة الفاضلة الملتزمة وهي كذلك وأن تحارب وساوس "العقل الذكوري" فيك، وحاول أن تُساعدها وتؤيّدها لتجاوز عصبيتها، ستكون كمساعد ومؤيد لها، لا معالج، فهي تحتاج أن تُعالج مشكلتها إما عند مختص نفسي إن كان السبب نفسي، وإما عند طبيب أعصاب إن كان المنشأ عصبيا، ستحتاج جُهدا وعملا مضنيا لتغيير سلوكها وانفعالاتها التلقائية، ومن قال أن التغيير غير هذا الجهد والصبر والمعاناة !؟
المهم هو أن عذر "أنا عصبية" حتى مع أهلي فلن يكفي بعد أن تطول العشرة وتصير مصلحة الأطفال وربما ترى أطفالك يُضربون بعصبية وانتقام لأسباب تافهمة (إنْ كنتَ حساسا ورحيما عكسها) ستصبر وتعذُرها وتتراكم الكدمات والجروح لتصل يوما ما إلى نقطة "اللاتحمّل"...
لذا أخبرها في نقاش هادئ حنون، أن أمر العصبية يجب أن يتغير وأن كلّ من يعطي مبررات لا يتغير أبدا، وأن الرجل الذي يخون زوجته له نزوات تدفعه ويتحجّج بها، فهل ستقبلينها مني مثلا؟ وغير ذلك الأمثلة التي يُمكنها أن تتخيلها فتعرف أنها ستُطالب بالتغيير آنذاك ولن تقبل الأعذار...
وأخبرها أنّك تخاف على الأطفال وأن تجارب الأسر مع الأم/الأب العصبي منتشرة السمعة يعيش أولادهم في جحيم العنف والقمع وتحطيم الثقة.. وأخبرها بجدية أيضا بأنّ عصبيتها تُخيفه ولا تريد أن تغامر بسلامة أطفالك النفسية معها.. فإن كانت تريد أن تتغيّر فلتبدأ من الآن، بخطوات ونتائج ملموسة تتدارسونها، وإن كانت عاجزة وأنت لا تستطيع أن تستمر معها فيجب أن تحدثها في هذا، لذا من الأفضل تأخير الإنجاب وهذا سيُشعرها بأنّك حذر وتترقب التغيير بشكل حقيقي...
وتمنياتي لك بالتوفيق والهناء. ولا تنسى أنها يجب أن تزور مختصا نفسانيا في الأول ولا عُذر لها، مختص نفساني وليس بالضرورة طبيبا نفسانيا وإن كان الثاني فيُمكنه أن يكتب لها أدوية فلا تخف منها، لكن الأهم هي أن تتبع برنامجا للتقليل من حساسيتها وتغيير انفعالاتها واندفاعاتها ومعرفة سبب عصبيّتها..
قد تُفاجأ إن اكتشفت أن السبب قد يكون تافها ولا علاقة له بالموقف بل بنظرتها لنفسها مثلا أو عدم حُبّها لنفسها! عاملها بلُطف وحنان فقد تكون محتاجة له فتقل درجة حساسيتها وقلقها فتلين إلى حين العمل على برنامج ضد العصبية.
تحياتي.
واقرأ أيضًا:
زوجتي متقلبة المزاج وعصبية جدا
زوجتي